الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الدرجة الثالثة : الموزون والمفهوم وهو الشعر وذلك لا يخرج إلا من حنجرة الإنسان فيقطع بإباحة ذلك ; لأنه ما زاد إلا كونه مفهوما ، والكلام المفهوم غير حرام ، والصوت الطيب الموزون غير حرام ، فإذا لم يحرم الآحاد فمن أين يحرم المجموع ? نعم ينظر ، فيما يفهم منه ، فإن كان فيه أمر محظور حرم نثره ونظمه وحرم النطق به سواء كان بألحان أو لم يكن .

التالي السابق


(الدرجة الثالثة: الموزون المفهوم) معناه (وهو الشعر وذلك لا يخرج إلا من حنجرة الإنسان فيقطع بإباحة ذلك; لأنه ما زاد إلا كونه مفهوما، والكلام المفهوم غير حرام، والصوت الطيب الموزون غير حرام، فإذا لم يحرم الآحاد فمن أين يحرم المجموع؟ نعم، ينظر فيما يفهم منه، فإن كان فيه أمر محظور وحرم نثره ونظمه وحرم النطق به) كأن يكون فيه هجو أو تشبيب بامرأة معينة أو كذب أو وصف الخدود والقدود والأصداغ ونحوها أو ذكر الأمرد .

القيد الأول: أن لا يكون فيه هجو. والهجو على قسمين: هجو الكفار وهجو المسلمين، أما هجو الكفار فضربان: أحدهما: أن يكون بصيغة عامة فيجوز، ولا يتجه فيه خلاف كما يجوز لعنهم على العموم، الثاني: أن يكون في معين فذلك المعين إما أن يكون حربيا أو ذميا، فالأول جائز فإن دمه وماله وعرضه كل ذلك مباح، الثاني موضع نظر، والمتجه المنع كغيبته، والنظم كالنثر، والنظم أولى بالمنع فإنه يحفظ وقد يسلم الذي هجا. وصاحب الشافي والمصنف وغيرهما أطلقوا الجواز وهو محمول على غير المعين من أهل الذمة، فإن الذمي محقون الدم والمال وكذلك العرض، وأما هجو المشركين غير أهل الذمة فجائز، وأما هجو المسلم فإما [ ص: 476 ] أن يكون فاسقا متجاهرا بالفسق أولا، فإن كان متجاهرا فينبغي أن يجوز كما تجوز غيبته، وما جاز في النثر جاز في النظم، ونقل ابن العربي الإجماع على لعن العاصي على العموم .

وهل يلحق التعريض بالتصريح؟ فالذي يجري على قياس قواعد المالكية إلحاقه، وعند الشافعية نزاع فيه، والمنقول عن القاضي ابن كج أن التعريض ليس بهجو، وقال الرافعي: يشبه أن يكون هجوا، والذي قاله ابن كج أقيس فإنهم لم يجعلوا التعريض في باب القذف ملحقا بالكناية فكيف يلحق بالتصريح؟ ومن حيث المعنى المحذور والذي في الصريح ليس في التعريض، فإن الصريح يفهمه كل أحد وينقله ويعرف المقصود به وليس كذلك التعريض .

القيد الثاني: التشبيب بامرأة معينة، فالمعينة إما أن تكون أجنبية أو غير أجنبية كزوجته وأمته، فإن كانت أجنبية فشبب بها ووصف أعضاءها الباطنة ونحوها لم يجز، وفي النهاية في شرح الهداية من كتب الحنفية: إن الشعر إذا كان فيه صفة امرأة معينة وهي حية كره، وإن كانت ميتة لم يكره، وإن كانت مرسلة لم يكره. اهـ. وأما غير الأجنبية ففيه خلاف في المذهب، وإيراد الرافعي يقتضي عدم الجواز، وقال الروياني في البحر: يجوز أن يشبب بزوجته وأمته ولا ترد شهادته، قال عامة الأصحاب: وسيأتي لذلك بقية في أثناء سياق المصنف .

القيد الثالث: الكذب، فإذا كذب الشاعر في شعره إما أن يكون يمكن حمله على نوع من المبالغة أو لا، فإن أمكن جاز، والصحيح أن المبالغة إذا أفضت إلى خروج الشيء عن حد الإمكان إلى حد الاستحالة ونحو ذلك فالترك أفضل، وإلا فالمبالغة أفضل، وأما إذا لم يمكن حمله على نوع من المبالغة فنقل الرافعي عن جمهور الشافعية أنه حرام، وادعى أنه الأصح وأنه ظاهر المعنى كسائر أنواع الكذب، ونقل عن القفال وأبي بكر الصيدلاني أنه لا يلحق بالكذب; لأن الكاذب يوهم أن الكذب صدق والشاعر بخلافه، فإنه إنما يقصد تحسين الصفة، والكلام لا يحقق المذكور، قال الرافعي بعد سياقه: وهذا حسن بالغ. وقد قيل: أكذبه أعذبه، قال: فلا فرق بين قليله وكثيره .

القيد الرابع: ذكر الخدود والأصداغ والقدود ونحو ذلك، فإذا ذكر في شعره شيئا من ذلك ففيه خلاف ادعى المصنف أنه لا يحرم بشرط أن لا يكون في معين، وكلام الرافعي في كتاب السير يقتضي أنه مكروه، وكلام الحنابلة يقتضي عدم جواز ذلك، وصرح به صاحب المستوعب منهم، وفي فتاوى الصدر الشهيد من الحنفية أن الشعر الذي فيه ذكر الخمر والفسق وذكر الغلام يكره، وكذا في فتاوى قاضي خان.

القيد الخامس: أن لا يكون التشبيب بالمرد، فإن كان في معين فالذي نقله الرافعي أنه حرام، فإن كان في غير معين فشبب به وذكر محبته له فقال الروياني في البحر: إنه حرام يفسق به، والبغوي وغيره لا يحرم، وهذا هو الذي يترجح ويحمل على محمل صحيح، وقال الرافعي على قياس ما ذكره القفال والصيدلاني في مسألة الكذب أن يكون التشبيب بالنساء والغلمان بغير تعيين لا يخل بالعدالة إذ غرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيقه، وهذا الذي بحثه هو المتجه .




الخدمات العلمية