فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدْرِ مَا الْهَوَى فَكُنْ حَجَرًا صُلْبًا يُدَقُّ بِكَ النَّوَى
وَكُلَّمَا لَطَفَ الْمِزَاجُ وَخَفَّتِ الرُّوحُ وَشَرُفَتِ النَّفْسُ حَرَّكَتْهَا الْأَلْحَانُ وَهَزَّهَا الْوَجْدُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ الْحَسَنُ وَالْمَعْنَى الرَّقِيقُ يُحَرِّكُ الْجِسْمَ وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَصِيرَ الْإِنْسَانُ مَغْلُوبًا عَلَى الْحَرَكَةِ، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمُتَعَالِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: كَانَ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ يَقُولُ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ سَبَبَ رَقْصِ الصُّوفِيَّةِ حَتَّى سَمِعْتُ قَوْلَ أَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ الْكَاتِبِ فَكُنْتُ أَرْقُصُ طَرَبًا وَعَلِمْتُ أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=29416الْكَلَامَ الْحَسَنَ يُرْقِصُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ:يَقُولُونَ ذِكْرُ الْمَرْءِ يَحْيَا بِنَسْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَسْلُ
فَقُلْتُ: لَهُمْ نَسْلِي بَدَائِعُ حِكْمَتِي فَإِنْ فَاتَنَا نَسْلٌ فَإِنَّا بِهِ نَسْلُو
وَحَدِيث أَلَذَّهُ وَهُوَ مِمَّا يَشْتَهِي السَّامِعُونَ يُوزَنُ وَزْنًا
مَنْطِقٌ بَارِعٌ وَتَلْحَنُ أَلْحَانًا وَأَحْلَى الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنًا
إِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ أَنَّ فِي الْأَلْحَـ ـانِ فَائِدَةً وَنَفْعًا
انْظُرْ إِلَى الْإِبِلِ اللَّوَا تِي هُنَّ أَغْلَظُ مِنْكَ طَبْعًا
تُصْغِي لِأَصْوَاتِ الْحُدَ اةِ فَتَقْطَعُ الْفَلَوَاتِ قَطْعًا
وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ يُظْمُونَهَا خَمْسًا وَرُبْعًا
وَإِذَا تَوَرَّدَتِ الْحِيَا ضَ وَحَاوَلَتْ فِي الْمَاءِ كَرْعًا
وَتَشَوَّقَتْ لِلصَّوْتِ مِنْ حَادٍ تُصِيخُ إِلَيْهِ سَمْعًا
ذُهِلَتْ عَنِ الْمَاءِ الَّذِي تَلْتَذُّهُ بَرْدًا وَنَفْعًا
شَوْقًا إِلَى النَّغَمِ الَّذِي أَطْرَبْنَهَا لَحْنًا وَسَجْعًا
تَكَلَّمْ مِنَّا فِي الْوُجُودِ عُيُونُنَا وَنَحْنُ سُكُوتٌ وَالْهَوَى يَتَكَلَّمُ
وَلِلْأَرْضِ مَنْ كَانَ الْكِرَامَ نَصِيبٌ
فَنَفْسُ الْمُبْطِلِ أَرْضٌ لِسَمَاءِ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْمُحِقِّ أَرْضٌ لِسَمَاءِ رُوحِهِ، فَالْبَالِغُ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالْمُتَجَوْهِرُ الْمُتَجَرِّدُ عَنْ أَغْرَاضِ الْأَحْوَالِ خَلَعَ نَعْلَيِ النَّفْسِ وَالْقَلْبِ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ، وَهُوَ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، اسْتَقَرَّ وَغَرَسَ وَأَحْرَقَ بِنُورِ الْعِيَانِ أَجْرَامَ الْأَلْحَانِ، وَلَمْ تُصْغِ رُوحُهُ إِلَى مَنَاغَاتٍ عَاشِقَةٍ لِشَغْلِهِ بِمُطَالَعَةِ آثَارِ مَحْبُوبِهِ .فإن كنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجرا صلبا يدق بك النوى
وكلما لطف المزاج وخفت الروح وشرفت النفس حركتها الألحان وهزها الوجد، وكذلك الكلام الحسن والمعنى الرقيق يحرك الجسم وقد ينتهي إلى أن يصير الإنسان مغلوبا على الحركة، قال أبو منصور المتعالي في بعض كتبه: كان أبو الطيب سهل بن أبي سهل الصعلوكي يقول: ما كنت أعرف سبب رقص الصوفية حتى سمعت قول أبي الفتح البستي الكاتب فكنت أرقص طربا وعلمت أن nindex.php?page=treesubj&link=29416الكلام الحسن يرقص وذلك قوله:يقولون ذكر المرء يحيا بنسله وليس له ذكر إذا لم يكن نسل
فقلت: لهم نسلي بدائع حكمتي فإن فاتنا نسل فإنا به نسلو
وحديث ألذه وهو مما يشتهي السامعون يوزن وزنا
منطق بارع وتلحن ألحانا وأحلى الحديث ما كان لحنا
إن كنت تنكر أن في الألحـ ـان فائدة ونفعا
انظر إلى الإبل اللوا تي هن أغلظ منك طبعا
تصغي لأصوات الحد اة فتقطع الفلوات قطعا
ومن العجائب أنهم يظمونها خمسا وربعا
وإذا توردت الحيا ض وحاولت في الماء كرعا
وتشوقت للصوت من حاد تصيخ إليه سمعا
ذهلت عن الماء الذي تلتذه بردا ونفعا
شوقا إلى النغم الذي أطربنها لحنا وسجعا
تكلم منا في الوجود عيوننا ونحن سكوت والهوى يتكلم
وللأرض من كان الكرام نصيب
فنفس المبطل أرض لسماء قلبه، وقلب المحق أرض لسماء روحه، فالبالغ مبلغ الرجال والمتجوهر المتجرد عن أغراض الأحوال خلع نعلي النفس والقلب بالوادي المقدس، وهو في مقعد صدق عند مليك مقتدر، استقر وغرس وأحرق بنور العيان أجرام الألحان، ولم تصغ روحه إلى مناغات عاشقة لشغله بمطالعة آثار محبوبه .