والسابع : مع أنه شبه ذلك بمزمار الشيطان وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك . الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين
والثامن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين وهو مضطجع ولو كان يضرب بالأوتار في موضع لما جوز الجلوس ثم لقرع صوت الأوتار سمعه .
فيدل هذا على أن . صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير بل إنما يحرم عند خوف الفتنة
فهذه المقاييس والنصوص تدل على في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور وفي معناه يوم العرس والوليمة والعقيقة والختان ويوم القدوم من السفر وسائر أسباب الفرح ، وهو كل ما يجوز به الفرح شرعا ، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع . إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج
السادس : سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس .
فإن كان في مشاهدة المعشوق فالغرض تأكيد اللذة وإن كان مع المفارقة فالغرض تهييج الشوق .
والشوق وإن كان ألما ففيه نوع لذة إذا انضاف إليه رجاء الوصال فإن الرجاء لذيذ واليأس مؤلم وقوة لذة الرجاء بحسب قوة الشوق والحب للشيء المرجو .
ففي هذا السماع تهييج العشق وتحريك الشوق وتحصيل لذة الرجاء المقدر في الوصال مع الإطناب في وصف حسن المحبوب .
وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله ، كمن يعشق زوجته أو سريته فيصغي إلى غنائها لتضاعف لذته في لقائها .
فيحظى بالمشاهدة البصر ، وبالسماع الأذن ، ويفهم لطائف معاني الوصال والفراق القلب فتترادف أسباب اللذة فهذه أنواع تمتع من جملة مباحات الدنيا ومتاعها وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وهذا منه .
وكذلك إن غضبت منه جارية أو حيل بينه وبينها بسبب من الأسباب فله أن يحرك بالسماع شوقه وأن يستثير به لذة رجاء الوصال فإن باعها أو طلقها حرم عليه ذلك بعده .
إذ لا يجوز تحريك الشوق حيث لا يجوز تحقيقه بالوصال واللقاء .
، وأما من يتمثل في نفسه صورة صبي أو امرأة لا يحل له النظر إليها ، وكان ينزل ما يسمع على ما تمثل في نفسه فهذا حرام لأنه محرك للفكر في الأفعال المحظورة ومهيج للداعية إلى ما لا يباح الوصول إليه .
وأكثر العشاق والسفهاء من الشباب في وقت هيجان الشهوة لا ينفكون عن إضمار شيء من ذلك وذلك ، ممنوع في حقهم لما فيه من الداء الدفين لا لأمر يرجع إلى نفس السماع .
ولذلك سئل حكيم عن العشق فقال .
دخان يصعد إلى دماغ الإنسان يزيله الجماع ويهيجه السماع .
السابع : سماع من أحب الله وعشقه واشتاق إلى لقائه فلا ينظر إلى شيء إلا رآه فيه سبحانه ولا يقرع سمعه قارع إلا سمعه منه أو فيه ومؤكد لعشقه وحبه ومور زناد قلبه ومستخرج منه أحوالا من المكاشفات والملاطفات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه عن ذوقها . فالسماع في حقه مهيج لشوقه
وتسمى تلك الأحوال بلسان الصوفية وجدا مأخوذ من الوجود والمصادفة أي صادف : من نفسه أحوالا لم يكن يصادفها قبل السماع .
ثم تكون تلك الأحوال أسبابا لروادف وتوابع لها تحرق القلب بنيرانها وتنقيه من الكدورات كما تنقى النار الجواهر المعروضة عليها من الخبث ثم يتبع الصفاء الحاصل به مشاهدات ومكاشفات وهي غاية مطالب المحبين لله تعالى ونهاية ثمرة القربات كلها فالمفضي إليها من جملة القربات لا من جملة المعاصي والمباحات .
وحصول هذه الأحوال للقلب بالسماع سببه سر الله تعالى في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح وتسخير الأرواح لها وتأثرها بها شوقا وفرحا وحزنا وانبساطا وانقباضا .
ومعرفة السبب في تأثر الأرواح بالأصوات من دقائق علوم المكاشفات .
والبليد الجامد القاسي القلب المحروم عن لذة السماع يتعجب من التذاذ المستمع ووجده واضطراب حاله وتغير لونه تعجب البهيمة من لذة اللوزينج وتعجب العنين من لذة المباشرة وتعجب الصبي من لذة الرياسة واتساع أسباب الجاه وتعجب الجاهل من لذة معرفة الله تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وعجائب صنعه .
ولكل ذلك سبب واحد ، وهو أن اللذة نوع إدراك ، والإدراك يستدعي مدركا ويستدعي قوة مدركة .
فمن لم تكمل قوة إدراكه لم يتصور منه التلذذ فكيف يدرك لذة الطعوم من فقد الذوق ، وكيف يدرك لذة الألحان من فقد السمع ولذة المعقولات من فقد العقل وكذلك ، ذوق السماع بالقلب بعد وصول الصوت إلى السمع يدرك بحاسة باطنة في القلب فمن فقدها عدم لا محالة لذته .
ولعلك تقول : كيف يتصور العشق في حق الله تعالى حتى يكون السماع محركا له .