وكل ما سوى هذا العشق فهو قابل للشركة إذ كل محبوب سواه يتصور له نظير إما في الوجود وإما في الإمكان . ومن حد هذا العشق أنه لا يقبل الشركة
، فأما هذا الجمال فلا يتصور له ثان لا في الإمكان ولا في الوجود .
فكان اسم العشق على حب غيره مجازا محضا لا حقيقة .
نعم الناقص القريب في نقصانه من البهيمة قد لا يدرك من لفظة العشق إلا طلب الوصال الذي هو عبارة عن تماس .
ظواهر الأجسام وقضاء شهوة الوقاع .
فمثل هذا الحمار ينبغي أن لا يستعمل معه لفظه العشق والشوق والوصال والأنس بل يجنب هذه الألفاظ والمعاني كما تجنب البهيمة النرجس والريحان وتخصص بالفت والحشيش وأوراق القضبان .
فإن الألفاظ إنما يجوز إطلاقها في حق الله تعالى إذا لم تكن موهمة معنى يجب تقديس الله تعالى عنه .
والأوهام تختلف باختلاف الأفهام فليتنبه لهذه الدقيقة في أمثال هذه الألفاظ بل لا يبعد أن ينشأ من مجرد السماع لصفات الله تعالى وجد غالب يقطع بسببه نياط القلب .
فقد روى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر غلاما كان في بني إسرائيل على جبل فقال لأمه من خلق السماء ? قالت : الله عز وجل قال فمن : خلق الأرض؟ قالت: الله عز وجل قال: فمن خلق الجبال؟ قالت أبو هريرة
الله عز وجل، قال: فمن خلق الغيم ? قالت : الله عز وجل قال : إني لأسمع لله شأنا .
ثم رمى بنفسه من الجبل فتقطع .
وهذا كأنه سمع ما دل على جلال الله تعالى وتمام قدرته فطرب لذلك ووجد فرمى بنفسه من الوجد .
وما أنزلت الكتب إلا ليطربوا بذكر الله تعالى .
قال بعضهم رأيت مكتوبا في الإنجيل غنينا لكم فلم تطربوا وزمرنا لكم فلم ترقصا .
أي : شوقناكم بذكر الله تعالى فلم تشتاقوا .