الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقالت عائشة رضي الله عنها : خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في ، سيده ، يقسمها الله تعالى لمن أحب : صدق الحديث وصدق الناس وإعطاء السائل والمكافأة بالصنائع وصلة الرحم وحفظ الأمانة والتذمم للجار والتذمم للصاحب وقرى الضيف ورأسهن الحياء .

وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة .

قال صلى الله عليه وسلم : إن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء .

وقال عبد الله قال رجل : يا رسول الله ، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت ؟ قال : إذا سمعت جيرانك يقولون قد : أحسنت ، فقد أحسنت ، وإذا سمعتهم يقولون : قد أسأت ، فقد أسأت .

وقال جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه .

وقال أبو هريرة رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجار يضع جذعه في حائط جاره شاء أم أبى .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره " وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول ما لي : أراكم عنها معرضين ، والله لأرمينها بين أكنافكم .

وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك .

وقال صلى الله عليه وسلم : من أراد الله به خيرا عسله ، قيل : وما عسله ؟ قال : يحببه إلى جيرانه .

التالي السابق


(وقالت عائشة -رضي الله عنها-: خلال المكارم عشرة) والحصر إضافي باعتبار الذكر هنا (تكون في الرجل ولا تكون في ابنه، وتكون في العبد ولا تكون في سيده، يقسمها الله تعالى لمن أحب: صدق الحديث) لأن الكذب يجانب الإيمان؛ لأنه إذا قال: كان كذا، ولم يكن؛ فقد افترى على الله زعمه أنه كونه، فصدق الحديث من الإيمان (وصدق البأس) ؛ لأنه من الثقة بالله شجاعة وسماحة (وإعطاء السائل) لأنه من الرحمة (والمكافأة بالصنائع) لأنه من الشكر (وصلة الرحم) لأنها من العطف (وحفظ الأمانة) لأنه من الوفاء (والتذمم للجار) أي: التعهد وأصله أخذ الإمام وهو ما يذم من العهد على إضاعته (والتذمم للصاحب) لأن كلا منهما من نزاهة النفس (وقرى الضيف) لأنه من السخاء [ ص: 310 ] فهذه مكارم الأخلاق الظاهرة وهي تنشأ من مكارم الأخلاق الباطنة (ورأسهن) كلهن (الحياء) ؛ لأنه من عفة الروح، فكل خلق من هذه الأخلاق مكرمة يسعد من منحها بالواحد منها فكيف بمن جمعت له كلها؟

وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن العاص: "لو أن المكارم كانت سهلة لسابقكم إليها اللئام لكنها كريهة مرة لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها" هكذا رواه الحكيم والخرائطي في مكارم الأخلاق عن عائشة موقوفا وإسناده ضعيف. ورواه الدارقطني والديلمي وابن لال والبيهقي وابن عساكر من طريق أيوب الوازن عن الوليد بن مسلم عن ثابت عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا قال البيهقي: وهو بالموقوف أشبه، وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، ولعله من كلام بعض السلف، وثابت بن يزيد ضعيف، وقال الحاكم: مجهول .

(وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة) رواه أحمد والشيخان من حديثه وفي رواية: "إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرق" وهكذا رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب من حديث خولة .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: إن من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء) .

قال العراقي: رواه أحمد من حديث نافع بن عبد الحارث وسعد بن أبي وقاص، وحديث نافع أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد اهـ .

قلت: وحديث سعد أخرجه الطيالسي من طريق إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده بلفظ: "سعادة لابن آدم ثلاث وشقاوة لابن آدم ثلاث، فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة والمركب الصالح والمسكن الواسع، ومن شقاوة ابن آدم المسكن السوء والمرأة السوء والمركب السوء".

(وقال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال رجل: يا رسول الله، كيف لي أن أعلم إذا أحسنت أو أسأت؟ قال: إذا سمعت جيرانك يقولون: أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت) .

قال العراقي: رواه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن مسعود وإسناده جيد اهـ .

قلت: ورواه أيضا ابن ماجه وابن حبان ورجاله رجال مسلم، ورواه ابن ماجه أيضا من حديث كلثوم الخزاعي (وقال جابر) -رضي الله عنه- (من كان له جار في حائط) أي: مزرعة أو بستان (أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه) .

قال العراقي: رواه ابن ماجه والحاكم دون ذكر الجار، وقال: صحيح الإسناد وهو عند الخرائطي في مكارم الأخلاق بلفظ المصنف ولابن ماجه من حديث ابن عباس: من كانت له أرض فأراد أن يبيعها فليعرضها على جاره. ورجاله رجال الصحيح اهـ .

قلت: الحديث الذي ليس فيه ذكر الجار قد رواه أيضا عبد الرازق في المصنف ومسلم وابن حبان ولفظه: "من كان له شريك في حائط فلا يبع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك" ولفظ ابن ماجه: من كانت له نخل أو أرض فلا يبعها حتى يعرضها على شريكه، وأما حديث ابن عباس فقد رواه أيضا الطبراني في الكبير .

(وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الجار يضع جذوعة) وفي نسخة: "جذعة" (في حائط جاره) إن احتاج لذلك (شاء الجار) ذلك (أم أبى) أي: امتنع، قال العراقي: (رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق هكذا، وهو متفق عليه بلفظ: "لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبه في حائطه") .

قال العراقي: رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، واتفق عليه الشيخان من حديث أبي هريرة اهـ .

قلت: ورواه أيضا الخرائطي في مساوئ الأخلاق والبيهقي ولفظهما "على حائطه" بزيادة في آخره: "وإذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع" وعند الطبراني في الكبير بلفظ: "لا يمنعن أحدكم أخاه المؤمن خشبا يضعه على جداره".

(وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينها بين أكتافكم) رواه البخاري في الصحيح (وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب ذلك) نظرا إلى ظاهر الأحاديث الواردة فيه .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من أراد الله به خيرا عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يحببه إلى جيرانه) هكذا رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن الحق ورواه [ ص: 311 ] البيهقي في الزهد بلفظ: "يفتح له عملا صالحا قبل موته حتى يرضى عنه من حوله" وإسناده جيد، ورواه أحمد من حديث أبي عنبسة الخولاني بالجملة الأولى فقط قاله .




الخدمات العلمية