ولو امتنع عن الشرب بالكوز لأن صانع الفخار الذي عمل الكوز كان قد عصى الله يوما بضرب إنسان أو شتمه لكان هذا وسواسا .
ولو امتنع من لحم شاة ساقها آكل حرام فهذا أبعد من يد السجان ; لأن الطعام يسوقه قوة السجان والشاة تمشي بنفسها ، والسائق يمنعها عن العدول في الطريق فقط فهذا قريب من الوسواس .
فانظر كيف تدرجنا في بيان ما تتداعى إليه هذه الأمور .
واعلم أن كل هذا خارج عن فتوى علماء الظاهر فإن فتوى الفقيه تختص بالدرجة الأولى التي يمكن تكليف عامة الخلق بها ولو اجتمعوا عليه لم يخرب العالم دون ما عداه من ورع المتقين والصالحين .
والفتوى في هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم لوابصة إذ قال : استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك وأفتوك وعرف ذلك إذ قال الإثم حزاز القلوب .
وكل ما حاك في صدر المريد من هذه الأسباب فلو أقدم عليه مع حزازة القلب استضربه وأظلم قلبه بقدر الحزازة التي يجدها بل لو أقدم على حرام في علم الله ، وهو يظن أنه حلال لم يؤثر ذلك في قساواة قلبه ولو أقدم على ما هو حلال في فتوى علماء الظاهر ، ولكنه يجد حزازة في قلبه فذلك ، يضره .
وإنما الذي ذكرناه في النهي عن المبالغة أردنا به أن القلب الصافي المعتدل هو الذي لا يجد حزازة في مثل تلك الأمور .


