الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن قلت : إظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجبا فلا شك أنه مندوب إليه والعصاة والفساق على مراتب مختلفة فكيف ينال الفضل بمعاملتهم ؟ وهل يسلك بجميعهم مسلكا واحدا أم لا ؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله سبحانه لا يخلو إما أن يكون مخالفا في عقده أو في عمله والمخالف في العقد إما مبتدع أو كافر والمبتدع إما داع إلى بدعته أو ساكت والساكت إما بعجزه أو باختياره ؛ فأقسام الفساد في الاعتقاد ثلاثة :

الأول : الكفر فالكافر إن كان محاربا فهو يستحق القتل والإرقاق وليس بعد هذين إهانة وأما الذمي فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له بالإضرار إلى أضيق الطريق وبترك المفاتحة بالسلام فإذا قال السلام عليك ، قلت : وعليك .

والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومواكلته وأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة ، يكاد ينتهي ما يقوى منها إلى حد التحريم ؛ قال تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم الآية وقال صلى الله عليه وسلم المسلم : " والمشرك لا تتراءى ناراهما .

وقال عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية .

التالي السابق


بيان مراتب الذين يبغضون في الله وكيفية معاملتهم

(فإن قلت: إظهار البغض والعداوة بالفعل إن لم يكن واجبا) شرعيا (فلا نشك أنه مندوب إليه والعصاة والفساق على مراتب مختلفة) ودروب شتى (فكيف ينال الفضل بمعاملتهم؟ وهل يسلك جميعهم مسلكا واحدا أم لا؟ فاعلم أن المخالف لأمر الله) تعالى (لا يخلو إما أن يكون مخالفا في عقده) مع الله أي: فيما اعتقده بقلبه (أو في عمله) الظاهر (والمخالف في العقد) الباطني (إما أن يكون مبتدعا وإما كافرا والمبتدع) كذلك لا يخلو (إما أن يكون داعيا إلى بدعته) غيره (أو ساكتا) عن الدعوة، وذلك السكوت (إما لعجزه) في نفسه (أو باختياره؛ فأقسام الفساد في الاعتقاد ثلاثة:

الأول: الكفر والكافر) إما محارب أو ذمي (إن كان محاربا) وهو الحربي (فهو مستحق القتل والإرقاق) أي: أخذه على سبيل الرق فإن أبى قتل (وليس بعد هذين الأمرين إهانة وأما الذمي) الذي تحت عقد ذمة المسلمين وجوارهم (فإنه لا يجوز إيذاؤه إلا بالإعراض عنه والتحقير له) في المجالس (وبالاضطرار) أي: الإلجاء (إلى أضيق الطرق) إن كان ماشيا في طريق فيه زحمة بحيث لا يقع فيه وهدة لا يصدمه نحو جدار، فإن إيذاءهم بلا سبب لا يجوز، وإنما المراد: لا تتركوا لهم صدر الطريق إكراما لهم، وفيه تنبيه على ضيق مسلك الكفر، وأنه يلجئ إلى النار، فإذا بطريقه الحسي الدنيوي إلى طريقه المعنوي الأخروي، وهذه سنة قد أميتت من زمان، فمن أحياها فله الأجر .

(وبترك المفاتحة بالسلام) فلا يقول: السلام عليك؛ تحقيرا لشأنهم، فيحرم ابتداؤهم به على الأصح عند الشافعية، وفي الإسناد لمحمد بن الحسن يكره أن يبتدأ المشرك بالسلام ولا بأس بالرد عليه، وهو قول أبي حنيفة -رحمة الله عليه- وما لا يقوم مقامه من التحايا كأن يقول له: صبحك الله بالخير أو أسعد الله صباحك أو مثل ذلك مما جرت به العادات الآن (وإذا قال) مبادئا (السلام عليك، قلت: وعليك) وإنما وجب الرد بعليك فقط ولا تعارضه آية سلام عليك سأستغفر لك ربي وآية وقل سلام فسوف يعلمون لأن هنا سلام متاركة ومنابذة لا سلام تحية وأمان، وقد وردت في كل منهما أخبار، فأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة: " لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق اضطروه إلى أضيقه".

(والأولى الكف عن مخالطته ومعاملته ومؤاكلته) فإن كلا من ذلك نوع من إعزازه (فأما الانبساط معه والاسترسال إليه كما يسترسل إلى الأصدقاء فهو مكروه كراهة شديدة، يكاد ينتهي ما يقوى منه إلى حد التحريم؛ قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم ) والمواددة مفاعلة من الود، كما أن المحاددة من الحد وهو العداوة (وقال -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن والمشرك لا تتراءى ناراهما) .

قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي من حديث جرير "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تتراءى ناراهما" رواه النسائي مرسلا، وقال البخاري: والصحيح مرسل. اهـ .

(وقال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء الآية) أي: لا تتخذوهم أولياء لكم ولا توالوهم ولا تخالطوهم .




الخدمات العلمية