الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فالعتاب في السر خير من القطيعة ، والتعريض به خير من التصريح والمكاتبة خير من المشافهة والاحتمال خير من الكل إذ ينبغي أن يكون قصدك من أخيك إصلاح نفسك بمراعاتك إياه وقيامك بحقه واحتمالك تقصيره لا الاستعانة به والاسترفاق منه .

قال . أبو بكر الكتاني صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلا فوهبت له يوما شيئا على أن يزول ما في قلبي فلم يزل فأخذت بيده يوما إلى البيت وقلت له : ضع رجلك على خدي ، فأبى ، فقلت : لا بد ، ففعل فزال ذلك من قلبي .

وقال أبو علي الرباطي صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية فقال علي : أن تكون أنت الأمير أو أنا ؟ فقلت : بل أنت فقال : وعليك الطاعة فقلت : نعم ؛ فأخذ مخلاة ووضع فيها الزاد وحملها ، على ظهره فإذا قلت له : أعطني قال : ألست قلت أنت الأمير ؟ : فعليك الطاعة فأخذنا المطر ليلة فوقف على رأسي إلى الصباح وعليه كساء وأنا جالس يمنع عني المطر ، فكنت أقول مع نفسي : ليتني مت ولم أقل أنت الأمير .

التالي السابق


(فالعتاب في السر خير من القطيعة، والتعريض به خير من التصريح، والكتابة) في صحيفة (خير من المشافهة) ففي القوت: ومن أخلاق السلف كان الرجل إذا ذكر لأخيه خلقا عاتبه فيما بينه وبينه أو كاتبه في صحيفة .

(والاحتمال خير من الكل إذ ينبغي أن يكون قصدك من أخيك إصلاح نفسك بمراعاتك إياه وقيامك بحقه واحتمالك تقصيره للاستعانة والاسترقاق منه. وقال أبو بكر الكتاني) اسمه محمد بن علي البغدادي الأصل، صحب الجنيد والخراز والنوري وجاور بمكة إلى أن مات سنة 222، ترجمه القشيري في الرسالة، وقال في باب الصحبة: سمعت أبا حاتم السجستاني الصوفي يقول: سمعت أبا نصر السراج يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت الكتاني يقول: (صحبني رجل فكان على قلبي ثقيلا) بغير سبب أعرفه، ففكرت في سببه فلم أعرفه (فوهبته يوما شيئا) لتطيب به نفسه (على أن يزول) ولفظ الرسالة: فوهبت له شيئا ليزول (ما في قلبي) من ثقله؛ لخبر: "تهادوا تحابوا" (فلم يزل فأخذت بيده يوما إلى البيت) ولفظ الرسالة: فحملته إلى بيتي (وقلت: ضع رجلك على خدي، فأبى، فقلت: لا بد، ففعل فزال ذلك من قلبي) هذا منشأ اتهام النفس في سوء أخلاقها وكراهتها لغير سبب، فيهادي العبد نفسه بمثل ذلك، ولفظ الرسالة بعد قوله ففعل: واعتقدت أن لا يرفع رجله عن خدي حتى يرفع الله عن قلبي ما كنت أجده، فلما زال عن قلبي ما كنت أجده قلت له: ارفع رجلك الآن. وذكره صاحب العوارف، وقال: ومن آدابهم أنهم إذا استثقلوا صاحبا يتهمون أنفسهم ويتسببون إلى إزالة ذلك من بواطنهم؛ لأن انطواء الضمير على مثل ذلك وليجة في الصحبة، ثم ساق هذه القصة، ثم قال في آخرها: قال الرقي: قصدت من الشام إلى الحجاز حتى سألت الكتاني عن هذه الحكاية .

(وقال أبو عبد الله الرباطي) وفي نسخة: أبو علي الرباطي (صحبت عبد الله الرازي) له ذكر في الرسالة، وفي بعض النسخ: المروزي، بل الرازي، (وكان يدخل البادية) أي: على قدم التجريد (فقال علي : أن تكون أنت الأمير) وأنا المأمور (أو أنا الأمير وأنت المأمور؟ فقلت: بل أنت) الأمير وأنا المأمور (فقال: وعليك الطاعة) والانقياد لي؟ (فقلت: نعم؛ فأخذ مخلاة ووضع فيها الزاد، وضعه على ظهره) أي: الزاد (قلت له: أعطني) إياه (قال: ألست الأمير؟ قال الله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فعليك الطاعة) وعدم المخالفة قال: (فأخذنا المطر ليلة) من الليالي (فوقف على رأسي حتى الصباح وعليه كساء وأنا جالس يمنع عني المطر، فكنت أقول مع نفسي: ليتني مت ولم أقل أنت الأمير) هكذا تكون الصحبة والمرافقة، كذا ساقه القشيري في باب الصحبة من الرسالة، وما عرفت حال أبي علي الرباطي وشيخه، وفي التهذيب: أحمد بن سعيد بن إبراهيم الرباطي أبو عبد الله المروزي ثقة حافظ مات سنة 246 روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، فلعل أبا علي المذكور من قرابة هذا .




الخدمات العلمية