الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها تشميت العاطس .

قال صلى الله عليه وسلم في العاطس يقول الحمد لله على كل حال ويقول الذي يشمته يرحمكم الله ويرد عليه العاطس فيقول : يهديكم الله ويصلح بالكم .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين فإذا قال ذلك فليقل من عنده يرحمك الله فإذا قالوا ذلك فليقل يغفر الله لي ولكم .

وشمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاطسا ولم يشمت آخر ، فسأله عن ذلك فقال : إنه حمد الله وأنت سكت .

وقال صلى الله عليه وسلم يشمت العاطس المسلم إذا عطس ثلاثا فإن زاد فهو زكام .

وروي أنه شمت عاطسا ثلاثا فعطس أخرى فقال إنك : مزكوم .

وقال أبو هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا عطس غض صوته واستتر بثوبه أو يده .

وروي : خمر وجهه .

وقال أبو موسى الأشعري كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم : الله ، فكان يقول : يهديكم الله .

وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن رجلا عطس خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يرضى ربنا ويرضى والحمد لله على كل حال ، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صاحب الكلمات ؟ فقال أنا يا رسول الله ما أردت بهن إلا خيرا ، فقال : لقد رأيت اثنى عشر ملكا كلهم يبتدرونها أيهم يكتبها .

وقال صلى الله عليه وسلم : من عطس عنده فسبق إلى الحمد لم يشتك خاصرته .

وقال صلى الله عليه وسلم : العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإذا قال ها ها : فإن الشيطان يضحك من جوفه .

وقال إبراهيم النخعي إذا عطس في قضاء الحاجة فلا بأس بأن يذكر الله .

وقال الحسن يحمد الله في نفسه .

وقال كعب قال موسى عليه السلام : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ؟ فقال : أنا جليس من ذكرني ، فقال : فإنا نكون على حال نجلك أن نذكرك عليها كالجنابة والغائط ، فقال : اذكرني على كل حال .

التالي السابق


(ومنها تشميت العاطس) يقال بالشين المعجمة وبإهمالها، فعلى الأول من الشوامت وهي القوائم وهذا هو الأشهر الذي عليه الأكثر، وعلى الثاني من السمت بمعنى قصد الشيء وصفته (قال -صلى الله عليه وسلم- في العاطس يقول الحمد لله على كل حال) أي: شكر الله تعالى على نعمته بالعطاس لأنه ... نجران الرأس الذي هو معدن الحس وهو محل الفكر وبسلامته تسلم الأعضاء فهو جدير أن يشكر عليه ويقول الذي يشمته ممن كان على قربه وسمع منه ذلك حيث لا مانع من إسماعه إياه (يرحمك الله) أي: أعطاك الرحمة ترجع بها إلى حالك الأول أو يرجع بها كل عضو إلى سمته وهو دعاء أو خبر [ ص: 285 ] على طريق البشارة .

(ويرد) على المشمت (العاطس ويقول: يهديكم الله ويصلح بالكم) أي: حالكم، واعترض بأن الدعاء بالهداية للمسلم تحصيل الحاصل ومنع بأنه إنما المراد به معرفة تفاصيل أجزائه وأمانته على أعماله، وكل مؤمن يحتاج إلى ذلك في كل طرفة عين، قال العراقي: رواه البخاري وأبو داود من حديث أبي هريرة، ولم يقل البخاري: على كل حال. اهـ .

قلت: رواه النسائي من حديث علي وأخذ به قوم وسيأتي في الذي يليه زيادة "رب العالمين" واختار جمع الجمع فيقول: الحمد لله رب العالمين على كل حال، وقد روي من حديث عبد الله بن عمرو "من عطس أو تجشأ فقال: الحمد لله على كل حال من الحال دفع عنه بها سبعون داء أهونها الجذام" هكذا رواه الخطيب وابن النجار وسنده ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .

(وعن ابن مسعود) -رضي الله عنه- (قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا يقول: إذا عطس) بفتح الطاء (أحدكم فليقل) ندبا (الحمد لله رب العالمين) ولا أصل لما اعتيد من قراءة بقية الفاتحة، ويكره العدول عن الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فهو مكروه، ذكره الحافظ ابن حجر قال: وروى ابن أبي شيبة أن ابن عمر سمع ابنه عطس فقال: إش قال: ما إش؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد (فإذا قال ذلك فليقل من عنده) ندبا (يرحمك الله) دعاء أو خبر (فإذا قالوا ذلك فليقل) العاطس تأليفا لهم ومكافأة لدعائهم (يغفر الله لي) كذا لفظ الطبراني، وقال غيره: لنا (ولكم) .

قال العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة، وقال: حديث منكر، ورواه أيضا أبو داود والترمذي من حديث سالم بن عبيد واختلف في إسناده. اهـ .

قلت: حديث ابن مسعود رواه أيضا الطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي بلفظ: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل له: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لنا ولكم" وقال الطبراني: "لي ولكم" وفي مسند الطبراني أبيض بن أبان غير قوي، وقال: يتكلمون فيه، ووثقه ابن حبان، وأما حديث سالم بن عبيد وهو الأشجعي من أهل الصفة سكن الكوفة فرواه أحمد وابن ماجه والحاكم والبيهقي باللفظ المزبور، ورواه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم"، وروي فيه أيضا من حديث ابن عباس بسند صحيح يقول، أي العاطس: عافانا الله وإياكم من النار ويرحمكم الله"، وروى أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن جعفر كان إذا عطس حمد الله فقال له: يرحمك الله، فيقول: يهديكم ويصلح بالكم .

(و) يروى (أنه شمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاطسا ولم يشمت آخر، فسأله فقال: إنه حمد الله تعالى وأنت سكت) متفق عليه من حديث أنس قاله العراقي وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ومسلم والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري: إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإذا لم يحمد الله فلا تشمتوه .

(وقال - صلى الله عليه وسلم- يشمت المسلم إذا عطس ثلاثا) أي: ثلاث مرات (فإن زاد فهو زكام) .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة "شمت أخاك ثلاثا" الحديث، وإسناده جيد. اهـ .

قلت: وقال ابن السني في عمل يوم وليلة من حديث أبي هريرة ما هو أقرب إلى سياق المصنف ولفظه: "يشمت العاطس إذا عطس ثلاث مرات، فإن عطس فهو زكام"، وروى ابن ماجه من حديث سلمة بن الأكوع "يشمت العاطس ثلاثا فما زاد فهو مزكوم" ولفظ أبي داود عن أبي هريرة "إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يشمت بعد ثلاث" هكذا هو لفظ الجلال في جامعه الصغير، وقد عزاه النووي في الأذكار لابن السني وقال: فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح، وعزاه الحافظ ابن حجر لأبي يعلى قال: فيه سليمان الحراني وهو ضعيف ولم يعرجوا على تخريجه لأبي داود فليحرر، وقد روى الترمذي من حديث عمر بن إسحاق بن طلحة عن أمه عن أبيها -رضي الله عنه- رفعه "شمت العاطس ثلاثا، فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا" وقال: غريب .

وروى أبو داود والحاكم وابن السني من حديث عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي مرسلا "يشمت العاطس ثلاثا، فإن شئت شمته وإن شئت فكف" وقوله في الحديث: "فهو زكام" هو داء معروف وفي أخرى مزكوم أي: به زكام، وفيه أنه من زاد [ ص: 286 ] على ثلاث لا يشمت بالدعاء المشروع للعاطس بل يدعى له بما يلائم بنحو شفاء وعافية، فمن فهم النهي عن مطلق الدعاء فقد وهم .

(وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- شمت عاطسا فعطس) مرة (أخرى فقال: أنت مزكوم) قال ابن القيم: فيه تنبيه على الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة وإشارة إلى الحث على تدارك مثل هذه العلة ولا يهملها فيعظم أمرها، وكلامه -صلى الله عليه وسلم- حكمة ورحمة، قال العراقي: رواه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ورواه ابن ماجه من حديث بنحوه وقدم قريبا، وفيه التقييد بالثلاث فيحمل المطلق على المقيد .

(وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (كان الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إذا عطس غض صوته) أي: خففه (واستتر بثوبه أو يده، وروي: خمر وجهه) .

قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وفي رواية لأبي نعيم في اليوم والليلة: "خمر وجهه وفاه" اهـ .

قلت: ورواه أيضا الحاكم بلفظ: "كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه ونقص به صوته"، وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة: "إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته" قال الحاكم: صحيح، وأقره الذهبي.

(وقال أبو موسى الأشعري) -رضي الله عنه-: (كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) عمدا (رجاء أن يقول: رحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله) .

قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح .

(وروى عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي أبو محمد المديني حليف بني عدي بن كعب بن قريش، ولد في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال ابن منده: ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس، وقيل: ابن أربع، روى عن أبيه وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب وعائشة، روى عنه الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري، توفي سنة خمس وثمانين روى له الجماعة (عن أبيه) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة بن حجر بن سلمان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز "بسكون النون" العنزي أبي عبد الله حليف آل الخطاب من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي في فتنة عثمان، روى له الجماعة (أن رجلا عطس خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه كما يرضاه ربنا وبعد ما يرضى والحمد لله على كل حال، فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم-) من الصلاة (فقال: من صاحب هذه الكلمات؟ فقال) الرجل (أنا يا رسول الله وما أردت به إلا خيرا، فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها) .

قال العراقي: رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه وإسناده جيد، والمعنى أيهم يكتبها أول فيجيء بها إلى الله -عز وجل- والسر في تخصيص هذا العدد لكون الكلمات اثني عشر .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من عطس عنده فسبق إلى الحمد لم يشتك خاصرته) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط وفي الدعاء من حديث علي بسند ضعيف. اهـ .

قلت: وروى البخاري في الأدب المفرد عن علي -رضي الله عنه- "من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس والأذن أبدا" قال الحافظ ابن حجر: هو موقوف رجاله ثقات، ومثله لم يقل من قبل الرأي فله حكم الرفع .

وأخرج الطبراني عن علي مرفوعا "من سبق العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدا" وسنده ضعيف .

وأخرج تمام في فوائده وابن عساكر في التاريخ من حديث ابن عباس "من سبق العاطس بالحمد وقاه الله وجع الخاصرة ولم ير في فيه مكروها حتى يخرج من الدنيا" وفي السند بقية، وقد عنعن وأورده ابن الأثير في النهاية بلفظ: "من سبق العاطس بالحمد أمن الشوص واللوص والعلوص" وسنده ضعيف؛ فالشوص وجع الضرس وقيل: وجع في البطن، واللوص: وجع الأذن، وقيل: وجع المخ، والعلوص: وجع في البطن من التخمة، وقد نظمه بعض الشعراء أنشدناه شيخنا علي بن موسى بن شمس الدين الحسيني وكتبه من إملائه وخطه وقال: أنشدنا شيخ الوقت أحمد بن عبد الفتاح الملوي قدس الله روحهما في الجنة:


من يستبق عاطسا بالحمد يأمن من شوص ولوص وعلوص كذا وردا [ ص: 287 ] عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما
يليه البطن والضرس اتبع رشدا



(وقال -صلى الله عليه وسلم-: العطاس من الله) لأنه تنشأ عنه العبادة فلذلك أضافه إلى الله (والتثاؤب) بالهمز بعد الألف هو فتح الفم لغلبة الأبخرة، وينشأ من ثقل النفس وامتلائها المتسبب عن نيل الشهوات الذي يأمر به الشيطان فيورث الغفلة والكسل، ولذلك قال: (من الشيطان) فأضافه إليه (فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه) ليرد ما استطاع (فإذا قال: آه آه) حكاية صوت التثاؤب (فإن الشيطان يضحك من جوفه) لما أنه قد وجد إليه سبيلا وقوي سلطانه عليه .

قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي هريرة دون قوله: "العطاس من الله" فرواه الترمذي وحسنه، والنسائي في اليوم والليلة، وقال البخاري: "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب" اهـ. وذلك لأن العطاس يورث خفة الدماغ ويروحه ويزيل كدره وتنشأ عنه سعة المنافذ وذلك محبوب إلى الله، فإذا اتسعت ضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط والطعام اتسعت وكثر منه التثاؤب فأضيف للشيطان مجازا، وقال الحافظ ابن حجر: إن الله يحب العطاس؛ أي: الذي لا ينشأ عن زكام؛ لأنه المأمور بالتحميد والتشميت، قلت: وروى أحمد والشيخان وأبو داوود من حديث أبي سعيد "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب"، وروى البخاري من حديث أبي هريرة "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه؛ فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب"، وروى البخاري من حديث أبي هريرة "إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع؛ فإن أحدكم إذا قال ها ضحك منه الشيطان"، وروى ابن ماجه من حديثه "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي؛ فإن الشيطان يضحك منه"، ويروى "إذا تجشأ أحدكم أو عطس فلا يرفع بهما الصوت فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت" رواه البيهقي من حديث عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ووائلة" ورواه أبو داوود في مراسيله عن يزيد بن مرتد.

(وقال إبراهيم) بن يزيد (النخعي) -رحمه الله تعالى- (إذا عطس) الرجل وهو (في قضاء الحاجة) أي: في تلك الحالة (فلا بأس أن يذكر الله تعالى في نفسه، وقال الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (يحمد الله تعالى في نفسه) أي: ولا يجهر به (وقال كعب) بن ماتع الحميري المعروف بالأحبار -رحمه الله تعالى- (وقال موسى - عليه السلام-: يا رب أقريب أنت أناجيك أم بعيد فأناديك؟ فقال: أنا جليس من ذكرني، فقال: يا رب، فإنا نكون على حال نجلك) أي: ننزهك (أن نذكرك عليها) أي: معها (كالجنابة والغائظ، فقال:) يا موسى (اذكرني على كل حال) وقد روى مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة كان -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله تعالى على كل أحيانه، أي: في كل أوقاته، وأما حديث "أنا جليس من ذكرني" فأورده الديلمي بلا سند من حديث عائشة مرفوعا، والقصة المذكورة أوردها البيهقي تماما في الذكر من شعب الإيمان من طريق الحسين بن جعفر عن سفيان عن عطاء بن مروان حدثني أبي بن كعب قال: قال موسى -عليه السلام- فذكره، ونحوه عند أبي الشيخ في الثواب من طريق عبد الله بن عمير وهو في سابع عشر المجالسة من طريق ثور بن يزيد عن عبيدة قال: "لما كلم الله موسى -عليه السلام- يوم الطور كان عليه جبة من صوف مخللة بالعيدان مخروم وسطه بشريط ليف وهو قائم على جبل، وقد أسند ظهره إلى صخرة، فقال الله: يا موسى، إني قد أقمتك مقاما لم يقمه أحد قبلك ولا يقومه أحد بعدك، وقربتك نجيا، قال موسى: إلهي لم أقمتني هذا المقام؟ قال: لتواضعك يا موسى، قال: فلما سمع لذاذة الكلام من ربه نادى موسى: إلهي أقريب فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى، أنا جليس من ذكرني".

وللبيهقي في موضع آخر من طريق أبي أسامة عن شعبة، قال: قلت لمحمد بن النظر: أما تستوحش من طول الجلوس في البيت؟ فقال: ما لي أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني. وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق حسين الجعفي قال: قال محمد بن النضر الحارثي لأبي الأحوص: أليس ترى أنه قال: أنا جليس من ذكرني؟ فما أرجو بمجالسة الناس؟! ومعناه في المرفوع من حديث أبي هريرة: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه .




الخدمات العلمية