ومن أقل صفات أحوال هؤلاء أكلهم أموال السلاطين فلا تبقى معه العدالة والصلاح ولو تصور صوفي فاسق لتصور صوفي كافر وفقيه يهودي . وأكل الحرام من الكبائر
وكما أن الفقيه عبارة عن مسلم مخصوص ، فالصوفي عبارة عن عدل مخصوص لا يقتصر في دينه على القدر الذي يحصل به العدالة .
وكذلك من نظر إلى ظواهرهم ولم يعرف بواطنهم وأعطاهم من ماله على سبيل التقرب إلى الله تعالى حرم عليهم الأخذ وكان ما أكلوه . سحتا وأعني به إذا كان المعطي بحيث لو عرف بواطن أحوالهم ما أعطاهم فأخذ المال بإظهار التصوف من غير اتصاف بحقيقته كأخذه بإظهار نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الدعوى ومن زعم أنه علوي وهو كاذب وأعطاه مسلم مالا لحبه أهل البيت ولو علم أنه كاذب لم يعطه شيئا فأخذه على ذلك حرام وكذلك الصوفي .
ولهذا احترز المحتاطون عن الأكل بالدين فإن المبالغ في الاحتياط لدينه لا ينفك في باطنه عن عورات لو انكشفت للراغب في مواساته لفترت رغبته عن المواساة .
فلا جرم كانوا لا يشترون شيئا بأنفسهم مخافة أن يسامحوا لأجل دينهم فيكونوا قد أكلوا بالدين .
وكانوا يوكلون من يشتري لهم ويشترطون على الوكيل أن لا يظهر أنه لمن يشتري .
نعم إنما يحل أخذ ما يعطى لأجل الدين إذا كان الأخذ بحيث لو علم المعطي من باطنه ما يعلمه الله تعالى لم يقتض ذلك فتورا في رأيه فيه والعاقل المنصف يعلم من نفسه أن ذلك ممتنع أو عزيز والمغرور الجاهل بنفسه أحرى بأن يكون جاهلا بأمر دينه فإن أقرب الأشياء إلى قالبه قلبه فإذا التبس عليه أمر قلبه فكيف ينكشف له غيره ومن عرف ، هذه الحقيقة لزمه لا محالة أن لا يأكل إلا من كسبه ليأمن من هذه الغائلة أو لا يأكل إلا من مال من يعلم قطعا أنه لو انكشف له عورات باطنه لم يمنعه ذلك عن مواساته .
فإن اضطر طالب الحلال ومريد طريق الآخرة إلى أخذ مال غيره فليصرح له وليقل : إنك إن كنت تعطيني لما تعتقده في من الدين فلست مستحقا لذلك ولو كشف الله تعالى ستري لم ترني بعين التوقير بل اعتقدت أني شر الخلق أو من شرارهم فإن أعطاه مع ذلك فليأخذ فإنه ربما يرضى منه هذه الخصلة وهو اعترافه على نفسه بركاكة الدين وعدم استحقاقه لما يأخذه .
ولكن ههنا مكيدة للنفس بينة ومخادعة فليتفطن لها وهو أنه قد يقول ذلك مظهرا أنه متشبه بالصالحين في ذمهم نفوسهم واستحقارهم لها ونظرهم إليها بعين المقت والازدراء فتكون صورة الكلام صورة القدح والازدراء وباطنه وروحه هو عين المدح والإطراء فكم من ذام نفسه وهو لها مادح بعين ذمه فذم النفس في الخلوة مع النفس هو المحمود .
وأما الذم في الملأ فهو عين الرياء إلا إذا أورده إيرادا يحصل للمستمع يقينا بأنه مقترف للذنوب ومعترف بها .
وذلك مما يمكن تفهيمه بقرائن الأحوال ويمكن تلبيسه بقرائن الأحوال .
والصادق بينه وبين الله تعالى يعلم أن مخادعته لله عز وجل أو مخادعته لنفسه محال فلا يتعذر عليه الاحتراز عن أمثال ذلك. .
فهذا هو القول في أقسام السفر ونية المسافر وفضيلته .