فهذا بيان وانقسامه إلى ما يمكن الإفصاح عنه وإلى ما لا يمكن وانقسامه إلى المتكلف وإلى المطبوع . انقسام الوجد إلى مكاشفات وإلى أحوال
، فإن قلت : فما بال هؤلاء لا يظهر وجدهم عند سماع القرآن وهو كلام الله ويظهر عند الغناء وهو كلام الشعراء فلو كان ذلك حقا من لطف الله تعالى ولم يكن باطلا من غرور الشيطان لكان القرآن أولى به من الغناء ، فنقول الوجد الحق هو ما ينشأ من فرط حب الله تعالى وصدق إرادته والشوق إلى لقائه وذلك يهيج بسماع القرآن أيضا .
وإنما الذي لا يهيج بسماع القرآن حب الخلق وعشق المخلوق .
ويدل على ذلك قوله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب وقوله تعالى : مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . وكل ما يوجد عقيب السماع في النفس فهو وجد .
فالطمأنينة ، والاقشعرار والخشية ولين القلب كل ذلك وجد .
وقد قال الله تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وقال تعالى : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله فالوجل والخشوع وجد من قبيل الأحوال ، وإن لم يكن من قبيل المكاشفات .
ولكن قد يصير سببا للمكاشفات والتنبيهات ولهذا ، قال صلى الله عليه وسلم : . زينوا القرآن بأصواتكم
وقال لأبي موسى الأشعري . لقد أوتى مزمارا من مزامير آل داود عليه السلام
وأما الحكايات الدالة على أن أرباب القلوب ظهر عليهم الوجد عند سماع القرآن فكثيرة فقوله صلى الله عليه وسلم : . شيبتني هود وأخواتها
خبر عن الوجد ، فإن الشيب يحصل من الحزن والخوف وذلك وجد .
وروي أن رضي الله عنه ابن مسعود فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال : حسبك وكانت ، عيناه تذرفان بالدموع . قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النساء فلما انتهى إلى قوله تعالى :
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذا الآية أو قرئ عنده إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما فصعق .
وفي رواية إن تعذبهم فإنهم عبادك فبكى . أنه صلى الله عليه وسلم قرأ :
. وكان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة دعا واستبشر
.