الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي .

وقال صلى الله عليه وسلم : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال : إني أخاف الله تعالى ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي هريرة انتهى، قلت: ورواه أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية من حديث العرباض ، ولفظه: "يقول الله تعالى: المتحابون لجلالي في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي ، (وقال صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل) في رعيته وقومه لعموم نفعه وتعديه. (وشاب) وخصه لكونه مظنة غلبة الشهوة، فملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على [ ص: 176 ] غلبة التقوى (نشأ في عبادة الله) ، أي: أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله كما في خبر سليمان، (ورجل قلبه معلق بالمسجد) ، أشار إلى طول الملازمة شبه بالشيء المعلق بالمسجد كالقنديل، (إذا خرج منه حتى يعود إليه) ، كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة، فيلازم المسجد ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى فيصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه، وإن خرج منه بقالبه فليس المراد دوام الجلوس فيه، (ورجلان تحابا) أي: أحب كل منهما صاحبه (فى الله) أي: في طلب رضا الله، أو لأجله لا لغرض دنيوي، (اجتمعا على ذلك) أي: على الحب المذكور بقلوبهما، (وتفرقا عليه) أي: استمرا على صحبتهما حتى فرق بينهما الموت، ولم ينقطع تحابهما لعارض دنيوي، أو المراد يحفظان الحب فيه في الغيبة والحضور، وعد هذين واحدا; لأن المحبة لا تتم إلا بينهما، (ورجل ذكر الله) بلسانه أو قلبه حالة كونه (خاليا) عن الناس، أو عن الالتفات لما سوى الله، وإن كان في ملأ، (ففاضت عيناه) أي: الدموع من عينيه، فهو مجاز كجري الميزاب، زاد البيهقي: من خشية الله وبكاؤه يكون عن خوف أو شوق أو عن محبة الله عز وجل، (ورجل دعته) أي: طلبته (امرأة) إلى الزنا بها أو للنكاح، فخاف العجز عن حقها والشغل عن العبادة بالكسب لها، (ذات حسب) أي: أصل أو مال، ورواية الصحيحين: ذات منصب، (وجمال) أي: مزيد حسن، (فقال:) بلسانه زاجرا لها ويحتمل بقلبه زاجرا لنفسه، ولا مانع من الجمع (إني أخاف الله) رب العالمين، وخص ذات الحسب والجمال; لأن الرغبة فيها أشد، فالصبر عنها مع طلبها أشد، (ورجل تصدق بصدقة) أي: تطوع; لأن الزكاة يسن إظهارها كما تقدم، (فأخفاها) أي: كتمها عن الناس (حتى لا تعلم) بالرفع نحو مرض حتى لا يرجونه، وبالنصب نحو سرت حتى لا تغيب الشمس، (شماله) أي: من بشماله، (ما تنفق عليه) ، أو ذكره مبالغة في الإخفاء بحيث لو كان شماله رجلا ما علمها، فهو من مجاز التشبيه .

قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وقد تقدم اهـ .

قلت: قد تقدم الكلام على ذلك في كتاب الزكاة مفصلا، وقد رواه مالك في الموطأ، والترمذي عن أبي هريرة ، أو عن أبي سعيد ، ورواه أحمد والشيخان والنسائي عن أبي هريرة ، ورواه مسلم عنهما معا ويروى: "سبعة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله; رجل ذكر الله ففاضت عيناه، ورجل يحب عبدا لا يحبه إلا لله، ورجل قلبه معلق بالمساجد من شدة حبه إياها، ورجل يعطي الصدقة بيمينه فيكاد يخفيها عن شماله، وإمام مقسط في رعيته، ورجل عرضت عليه امرأة ذات منصب وجمال فتركها لجلال الله عز وجل، ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدو فانكشفوا فحمى آثارهم حتى نجا ونجوا أو استشهد" . هكذا رواه ابن زنجويه عن الحسن مرسلا، وابن عساكر عن أبي هريرة ، ويروى: "سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله; رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله، ورجل غض عينه عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله" ، وهكذا رواه البيهقي في الأسماء عن أبي هريرة ، وباقي الكلام على هذا الحديث تقدم في كتاب الزكاة .




الخدمات العلمية