الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم ذكر من فضل الأخوة والحب في الله أحاديث كثيرة ثم قال فيها .

وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فشاركه في العلم وقاسمه في البدن وأنكحه أفضل بناته وأحبهن إليه وخصه بذلك لمؤاخاته .

وأنا أشهدك أني قد عقدت له أخوة بيني وبينه وعقدت إخاءه في الله لرسالتك ولمسألته على أن لا يزورني إن كره ذلك ولكني أزوره متى أحببت ومره أن يلقاني في مواضع نلتقي بها ومره أن لا يخفي علي شيئا من شأنه وأن يطلعني على جميع أحواله فأخبر ابن سالم بشرا بذلك فرضي وسلا به .

التالي السابق


(ثم ذكر من فضل الأخوة والحب في الله أحاديث كثيرة ثم قال فيها وقد آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا) -رضي الله عنه- (فشاركه في العلم) .

قال العراقي: رواه النسائي في الخصائص من سننه الكبرى من حديث علي قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بني عبد المطلب. الحديث. وفيه "فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟" فلم يقم إليه أحد فقمت إليه، وفيه: حتى إذا كان بالثالثة ضرب بيده على يدي، وله وللحاكم من حديث ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: والله إني لأخوه ووليه ووارث علمه، الحديث .

وكل ما ورد في أخوة علي فضعيف لا يصح منه شيء، وللترمذي من حديث ابن عمر: أنت أخي في الدنيا والآخرة، وللحاكم من حديث علي: "أنا مدينة العلم وعلي بابها" وقال: صحيح الإسناد، وقال ابن حبان: لا أصل له، وقال ابن طاهر إنه موضوع، وللترمذي من حديث علي: أنا دار الحكمة وعلي بابها، وقال: غريب، قلت: أما حديث "أنا دار الحكمة" إلخ. فأخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية من طريق سلمة بن كهيل عن الصنابحي عن علي مرفوعا، وقال: ورواه الأصبغ ابن نباتة والحارث عن علي نحوه، ورواه مجاهد عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله .

وأما حديث "أنا مدينة العلم" رواه الحاكم في المناكب من مستدركه والطبراني في الكبير وأبو الشيخ ابن حبان في السنة له، وغيرهم كلهم من طريق أبي معاوية الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رفعه بزيادة: "فمن أتي العلم فليأت الباب". وقال: صحيح الإسناد، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ووافقه الذهبي وغيره على ذلك، وأشار إلى هذا ابن دقيق العيد بقوله: هذا الحديث لم يثبتوه وقيل: إنه باطل وهو مشعر بتوقفه فيما ذهبوا إليه من الحكم بكونه كذب، بل صرح العلائي بالتوقف في الحكم عليه بذلك، وقال: وعندي فيه نظر ثم بين ما يشهد لكون أبي معاوية راوي حديث ابن عباس حدث به فزال المحذور ممن هو دونه، قال: وأبو معاوية ثقة حافظ محتج بأفراده كابن عيينة وغيره، فمن حكم على الحديث مع ذلك بالكذب فقد أخطأ .

(وقاسمه البدن) بضم فسكون جمع بدنة، وقد رواه مسلم في حديث جابر الطويل "ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه" الحديث. (وأنكحه أفضل بناته وأحبهن إليه وخصه بذلك لمؤاخاته) روى الشيخان من حديث علي: لما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- واعدت رجلا صواغا، الحديث .

وروى الحاكم من حديث أم أيمن: زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة عليا، الحديث. وقال: صحيح الإسناد، وفي الصحيحين من حديث عائشة عن فاطمة: يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟ الحديث، وللحاكم من حديث عائشة: "يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء هذه الأمة". وللبخاري من حديث المسور بن مخرمة: فاطمة بضعة مني فمن أبغضها أغضبني. وعند أحمد والطبراني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها (وأنا أشهدك أني قد عقدت له أخوة بيني وبينه وعقدت إخاءه في الله تعالى) ولفظ القوت: واعتقدت إخاءه في الله عز وجل (لرسالتك ومسألتك على أن لا يزورني إن كره ذلك [ ص: 245 ] ولكني أزوره متى أحببت وآمره أن يلقاني في مواضع نلتقي فيها وآمره أن لا يخفي علي شيئا من شأنه وأن يطلعني على جميع أحواله) قال: (فأخبر ابن سالم بشرا بذلك فرضي وسر به) قال صاحب القوت: وهذا أسود بن سالم أحد عقلاء الناس وفضلائهم وكان فيه اتساع للناس وجرى عليه، وهو الذي أشار به معروف على الرجل الذي سأله مستشيرا فقال: يا أبا محفوظ هذان الرجلان إماما هذا البلد أشر علي أيهما أصحب فإني أريد أن أتأدب به إما أحمد بن حنبل وإما بشر بن الحارث، فقال معروف -رحمه الله تعالى-: لا تصحب واحدا منهم أبدا؛ فإن أحمد صاحب حديث كثير وهو كثير الاشتغال بالناس؛ فإن صحبته ذهب ما تجده في نفسك من حلاوة الذكر وحب الخلوة والعبادة، وأما بشر فإنه لا يتفرغ لك ولا يقبل عليك شغلا منه بحاله، ولكن اصحب أسود بن سالم فإنه يصلح لك ويقبل عليك، ففعل الرجل ذلك فانتفع به، وإنما ضمه إلى الأسود لأنه أشبه بحاله .

وكذلك روينا في حديث المؤاخاة الذي آخى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخى بين كل اثنين شكلين في العالم والحال، آخى بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما- وهما نظيران، وآخى بين سليمان وأبي الدرداء -رضي الله عنهما- وهما شكلان في العلم والزهد، وآخى بين عمار وسعد وكانا نظيرين وآخى بينه وبين علي -رضي الله عنه- وهذا من أعلى فضائل علي -كرم الله وجهه- لأن علمه من علمه وحاله من وصفه، ثم آخى بين الغني والفقير ليعتدلا في الحال وليعود الغني على أخيه الفقير في المال .




الخدمات العلمية