[ ص: 236 ] 187 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدليل على مراد الله عز وجل بقوله : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . الآية
1201 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله في حديثه عن حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح يوم عرفة بمنى مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فركب وأمر بقبة من شعر فنصبت له بنمرة ، فسار ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء ، فرحلت له فركب حتى إذا أتى بطن الوادي ، فخطب الناس .
[ ص: 237 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن قريشا كانت في الجاهلية تقف يوم عرفة في خلاف الموضع الذي يقف الناس به اليوم بعرفة لحجهم ، وذلك عندنا والله أعلم ؛ لأن عرفة ليست من الحرم ، وكانت قريش لا تجاوز الحرم ، ولا تقف لحجها في يوم عرفة إلا في موضع من الحرم ، وكان الموضع الذي كانت تقفه في ذلك اليوم فيه هو المزدلفة .
1202 - كما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن جبير ، عن أبيه قال : ذهبت أطلب بعيرا لي يوم عرفة ، فخرجت فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - واقف بعرفة بين الناس . فقلت : إن هذا من الحمس فما له خرج من الحرم ؟ يعني بالحمس قريشا ، وكانت قريش تقف بالمزدلفة وتقول : نحن الحمس ، لا نجاوز الحرم .
1203 - وكما حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا هشام ، عن أبيه ، [ ص: 238 ] عن عائشة قالت : كانت قريش تقف بالمزدلفة وتسموا الحمس ، وسائر العرب تقف بعرفة ، فأمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقف بعرفة ثم يدفع منها ، وأنزل الله عز وجل : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس .
قال أبو جعفر : فدل هذان الحديثان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان في الجاهلية لتوفيق الله عز وجل إياه ولتوليه له قد كان يقف يوم عرفة حيث يقف الناس سوى قريش ، وكان قول الله جل وعز : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس - دليلا على أن الإفاضة من ذلك المكان قد كان منهم قبلها وقوف فيه .
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى .
1204 - ما حدثنا يونس قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عمرو بن عبد الله بن صفوان ، عن يزيد بن شيبان قال : أتانا ابن مربع الأنصاري بعرفة ونحن بمكان من الموقف بعيد يبعده عمرو ، فقال : أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 239 ] إليكم يقول : كونوا على مشاعركم هذه ؛ فإنكم على إرث من إرث إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - . هكذا حدثنا يونس .
1205 - وقد حدثناه المزني قبل ذلك قال : حدثنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن صفوان ولم يذكر عمرا ، عن خال له قال : كنا في موقف لنا بعرفة ، ثم ذكر بقية هذا الحديث .
قال أبو جعفر : فدل ذلك أن عرفة قد كانت من مواقف إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - في الحج حيث يقف الناس اليوم لحجهم ، وأما أمره - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس بالارتفاع عن محسر ، ومحسر من مزدلفة - فذلك [ ص: 240 ] لمعنى سوى هذا المعنى قد يحتمل أن يكون لخروجه عن مشاعر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر الناس بالرفع عنه وبالرجوع إلى مشاعر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم بمراده في ذلك - صلى الله عليه وسلم - ، وبالله التوفيق .


