[ ص: 352 ] 531 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في كل واحدة من الجنازتين مر بهما عليه ، فأثني على أحدهما خير ، وأثني على الآخر منهما شر
3301 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : مرت جنازة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأثنوا عليها خيرا ، فتتابعت الألسن لها بالخير فقال : وجبت ، قال : ومرت جنازة ، فقيل لها شرا ، حتى تتابعت الألسن عليها بالشر ، فقال : وجبت ، ثم قال : أنتم شهداء الله عز وجل في الأرض .
3302 - وحدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن [ ص: 353 ] إسماعيل المنقري ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : مرت جنازة ، فأثني عليها خير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، ثم مر بأخرى ، فأثني عليها شر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت .
3303 - وحدثنا مبشر بن الحسن بن المبشر البصري أبو بشر ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فأثنوا عليها خيرا ، فقال : وجبت ، ومروا عليه بأخرى ، فأثنوا عليها شرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، فقال : إنكم أثنيتم على هذا خيرا ، فوجبت له الجنة ، وأثنيتم على هذا شرا ، فوجبت له النار ، وأنتم شهداء الله عز وجل في الأرض .
[ ص: 354 ]
3304 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو معمر - قال أبو جعفر : هذا أبو معمر الزمن - ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فأثني عليها خيرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة ، فأثني عليها شرا ، فقال : وجبت وجبت وجبت ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فداؤك أبي وأمي ، مر بجنازة ، فأثني عليها خيرا ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، [ ص: 355 ] وأنتم شهداء الله عز وجل في الأرض .
3305 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا مسعر ، عن إبراهيم بن عامر بن مسعود ، عن عامر بن سعد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل مات ، فأثني عليه شرا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت ، وذكر عنده رجل ، فأثني عليه خيرا ، فقال : وجبت وجبت ، فقال رجل : وجبت وجبت - أي : ما تعنى بوجبت ؟ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعضكم شهداء على بعض .
3306 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو الوليد [ ص: 356 ] الطيالسي ، قال : سمعت نافع بن عمر الجمحي يحدث عن أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بالنباءة أو بالنباوة من الطائف : توشكون أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار ، أو خياركم من شراركم ، قال نافع : ولا أعلمه إلا قال : أهل الجنة من أهل النار ، فقال رجل من الناس : بم يا رسول الله ؟ قال : بالثناء الحسن وبالثناء السيئ ، أنتم شهداء بعضكم على بعض .
3307 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن عمر ، ثم ذكر بإسناده مثله .
فتأملنا هذه الآثار ، فوجدنا في بعضها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من [ ص: 357 ] أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار .
فكان ظاهر ذلك على وجوب الجنة بذلك الثناء إذ كان خيرا ، وعلى وجوب النار إذ كان شرا ، فكان أحسن ما وجدناه في ذلك المراد بذلك القول ، وفي مكانه من الأقوال من هذه الآثار .
3308 - ما قد حدثناه يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي وشيبان بن فروخ جميعا ، قالا : حدثنا داود بن أبي الفرات ، قال : حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود الدؤلي ، قال : أتيت المدينة وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا ، فجلست إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خيرا ، فقال عمر : وجبت ، ثم مر بأخرى ، فأثني على صاحبها شرا ، فقال عمر : وجبت ، ثم مر بالثالثة ، فأثني على صاحبها شرا ، فقال عمر : وجبت ، قال أبو الأسود : لم قلت : وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ، فقلنا : وثلاثة ؟ قال : وثلاثة ، قلنا : واثنان ؟ قال : واثنان ، ثم لم نسأله عن الواحد .
[ ص: 358 ] قال : فكان وجه ذلك عندنا - والله أعلم - : أن الشهادة بالخير لمن شهد له به ستر من الله عز وجل عليه في الدنيا ، ومن ستره الله عز وجل في الدنيا لم يرفع عنه ستره في الآخرة ، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم مما قد رويناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا : ثلاثة أشهد عليهم ، والرابعة لو شهدت لرجوت أن لا آثم ، ثم ذكر الثلاثة ، ثم قال : والرابعة : لا يستر الله عز وجل على عبد في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة .
فكان ذلك الوجوب هو الستر في الدنيا بالثناء الحسن ، وفي الآخرة بالستر فيها مما يخاف فيها وهو النار ، وكان الثناء بالذم في الدنيا هو رفع الستر عن الذي أثني عليه به ، فكان في الدنيا ضدا لمن أثني عليه بالخير فيها ، فكان كذلك هو في الآخرة يكون فيها ضدا لمن أثني عليه في الدنيا بالخير ، وإذا كان كذلك ، استحق النار ، وهذا الاستخراج من عمر رضي الله عنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، ومما قاله معه في هذه الآثار من أدق استخراج وأحسنه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .


