[ ص: 442 ] 711 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدود أهل الكتاب في الزنى ، وهل هي الرجم ؟ وهل هو باق فيهم إلى يوم القيامة ؟ أو قد نسخ ذلك وأعيد إلى غيره ؟
قال أبو جعفر : قال قائل : فقد رويت في الباب الذي قبل هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجمه لليهودي الذي رجمه للزنى الذي كان منه في حديثي جابر والبراء اللذين رويتهما فيه ، فلم تركهما من تركهما من أهل العلم ، منهم أبو حنيفة والثوري وزفر وأبو يوسف ومحمد ، وقالوا : لا يرجم أهل الكتاب في الزنى ، وقد وقفوا على هذين الأثرين وما سواهما مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ وذكروا
4542 - ما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب أن مالك بن أنس أخبره ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه قال : إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة من شأن الرجم ؟ " فقالوا : نفضحهم ويجلدون ، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، [ ص: 443 ] فوضع يده أحدهم على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده ، فإذا فيها آية الرجم ، قالوا : صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجما . قال ابن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .
قال أبو جعفر : فكان جوابنا له في ذلك أن الذي له تركوا رجم الزناة من أهل الكتاب بعد وقوفهم على هذه الآثار ، وما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أن الحكم كان عندهم في اليهود ، يعني في حد الزنى [ ص: 444 ] في التوراة ، الذي من أجله رجم النبي صلى الله عليه وسلم من رجمه من اليهود المذكورين فيها إنما هو بالزنى خاصة كان معه إحصان أو لم يكن معه إحصان ، وكان الدليل عندهم على ذلك سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود : " ما تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ " فأجابوا بما أجابوه به مما ذكر ، يعني في الآثار التي قد ذكرناها في ذلك ، ولم يكن في سؤاله صلى الله عليه وسلم إياهم ذكر زان محصن ، ولا ذكر زان غير محصن ، وكذلك كان في جوابهم إياه عن ذلك ليس فيه ذكر زنى من محصن ، ولا زنى من غير محصن ، فاستدلوا بذلك على أن العقوبة كانت في الزنى في التوراة كذلك ، ثم كانت العقوبة بعد ذلك على الزناة في الإسلام بخلاف ذلك ، وهو ما ذكره الله تعالى في كتابه بقوله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ، فكان ذلك حد الزانيات ، ثم قال عز وجل : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكان ذلك حد الرجال في ذلك بلا جلد ولا رجم ، ثم نسخ الله عز وجل ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بالسبيل الذي قد كان تقدم في ذكرها بقوله في كتابه : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فقال صلى الله عليه وسلم ما ذكره عنه في ذلك عبادة بن الصامت .
4543 - كما قد حدثنا يونس ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني ، فقد جعل [ ص: 445 ] الله لهن سبيلا ، البكر يجلد وينفى ، والثيب يجلد ويرجم .
[ ص: 446 ]
4544 - وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم قال : وأخبرنا منصور بن زاذان ، عن الحسن قال : حدثنا حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني ، فقد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة " .
فبين بذلك السبيل الذي جعله الله في ذلك ما هي ، وأعلم بحدود كل صنف من الأبكار ومن الثيب ، ثم قال عبد الله بن عمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد علمه برجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يرجمه في الزنى من أهل الكتاب .
ما قد حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان الثوري ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : من أشرك بالله فليس بمحصن .
فأخبر بذلك أن أهل الكتاب غير محصنين ، وإذا كانوا كذلك لم [ ص: 447 ] يكونوا في الزنى مرجومين ، وهو رضي الله عنه المأمون على ما قال ، ولما خرج أهل الكتاب من الإحصان الذي يوجب الرجم بعد إطلاق الله تعالى لنبيه أن يحكم بينهم بما أنزل الله تعالى عليه ، وأن لا يتبع أهواءهم ، وكان الناس جميعا في البدء غير محصنين حتى تكون منهم الأسباب التي توجب لهم الإحصان ، فيجب عليهم عقوبات الزنى إذا كان منهم ، وهو الجلد الذي هو حدهم قبل أن يكونوا محصنين ، كانوا على ذلك أيضا غير خارجين عنه حتى تقوم الحجة بخروجهم عنه إلى ما ينقل عقوباتهم في زناهم من الجلد إلى الرجم ، وقد أجمعوا أن الرجل المسلم يكون محصنا بزوجته المسلمة بعد أن يكونا حرين بالغين قد جامعها وهما بالغان ، فوجب بذلك لإجماعهم على نقل حكم من كانت هذه سبيله من الجلد إلى الرجم إذا كان منه الزنى ، وتركه من سواه على حده الأول الذي قد أجمعوا أنه كان حده في الزنى حتى يجمعوا كذلك على نقله من ذلك الحد إلى الرجم الذي قد ذكرنا ، وفي ذلك ما قد دل في أمور أهل الكتاب على ما قاله من قاله من انتفاء الرجم منه .
وقد دخل مالك بن أنس في هذا المعنى ، فذكر عنه عبد الله بن عبد الحكم في " مختصره الصغير " الذي ألفه على قوله ، وكتبناه عمن حدثناه عنه ، قال : وإذا أسلم النصراني ثم زنى ، وقد تزوج في النصرانية ، فلا يكون محصنا حتى يطأ زوجته في الإسلام ، وكذلك العبد يعتق وله زوجة ، فيزني ، فلا يكون محصنا حتى يطأها بعد العتق ، ثم يزني بعد ذلك ، فيكون محصنا ، وكذلك الأمة تعتق ولها زوج ، فلا تكون محصنة حتى تزني بعدما يصيبها زوجها ، بعد العتق ، فدل ذلك على أن مذهبه كان في الإحصان أن ما كان من النصراني في نصرانيته [ ص: 448 ] من التزويج والجماع لا يحصنه ، لأنه لو كان يحصنه في حال نصرانيته لكان الإسلام إذا طرأ عليه وكده ، وإذا لم يكن ذلك كذلك ، دل أن من أسباب الإحصان التي يجب بها الرجم في الزنى الإسلام ، وفي ذلك ما قد دل على لزومه في ذلك ما قد قاله مخالفه فيه مما قد ذكرناه عنه ، وبالله التوفيق .


