[ ص: 228 ]  43 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام من قوله : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له 
 246  - حدثنا  يوسف بن يزيد  قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم  قال : حدثنا  إسماعيل بن جعفر  ، عن  العلاء بن عبد الرحمن  ، عن أبيه  ، عن  أبي هريرة   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له   } . 
 247  - حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي أبو علي  ، حدثنا عبد الله بن محمد البيطاري  ، حدثنا  سليمان بن بلال  ، عن  العلاء بن عبد الرحمن  ، عن أبيه  ، عن  أبي هريرة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . 
 [ ص: 229 ] قال  أبو جعفر   : فسأل سائل فقال : هل يخالف هذا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرته في الباب الذي قبل هذا الباب ، فيمن سن سنة حسنة ، وعمل بها من بعده ، وفيما قد ذكرته في غير هذا الموضع يعني : 
 248  - ما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن عيينة  ، عن  عاصم  ، عن  أبي وائل  ، عن  جرير   : أن { قوما أتوا النبي عليه السلام من الأعراب مجتابي النمار ، فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ، وكأنهم أبطؤوا بها ، حتى رأوا ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الأنصار بقطعة تبر ، فألقاها فتتابع الناس حتى عرف ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن سنة حسنة فعمل بها من بعده ، كان له مثل أجر من عمل بها من غير أن يسقط من أجورهم شيء ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها من بعده ، كان عليه مثل وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء   } . 
 249  - وما قد حدثنا  أبو أمية  ، حدثنا  عبيد الله بن موسى  ، حدثنا  شيبان يعني النحوي  ، عن  الأعمش  ، عن  مسلم بن صبيح  ،  [ ص: 230 ] وموسى بن عبد الله بن يزيد  ، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي  ، عن  جرير بن عبد الله  قال : { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من الأعراب ، فأبصر عليها الخصاصة والجهد ، فخطب الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم أمرهم بالصدقة ، وحضهم عليها ، ورغبهم فيها ، فأبطؤوا حتى رئي ذلك في وجهه ، فجاء رجل من الأنصار بقبضة من ورق فأعطاها إياه ، ثم جاء آخر ، ثم تتابع الناس بالصدقة ، حتى رئي السرور في وجهه ، فقال : من سن في الإسلام سنة حسنة ... }  ثم ذكر بقية الحديث الذي ذكرناه قبله . 
 250  - حدثنا  ابن أبي داود  ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف  ، حدثنا محمد بن سواء  ، حدثنا  سعيد بن أبي عروبة  ، عن  قتادة  ، عن  حميد بن هلال  ، عن عبد الرحمن  ، عن  جرير البجلي   : أنه حدثهم في ناحية مسجد الكوفة  أن { رجلا من الأنصار قام إلى رسول الله عليه السلام بصرة من ذهب تملأ ما بين الأصابع ، فقال : يا رسول الله ، هذه في سبيل الله ، ثم قام أبو بكر  فأعطى ، ثم قام عمر  فأعطى ، ثم قام المهاجرون  والأنصار  فأعطوا ، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الفرح في وجهه ، فقال عند ذلك : من سن سنة ...   } ، ثم ذكر بقية الحديث الذي قبله . 
قال  أبو جعفر   : في هذه الأحاديث { من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها ، وأجر من عمل بها من بعده ، ومن سن في  [ ص: 231 ] الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من عمل بها من بعده } . 
وروى حذيفة  عن رسول الله عليه السلام في ذلك مما يدخل في هذا المعنى . 
 251  - ما قد حدثنا  بكار  ، حدثنا  وهب بن جرير  ، حدثنا  هشام بن حسان  ، عن  محمد يعني : ابن سيرين  ، عن أبي عبيدة بن حذيفة  ، عن  أبيه  قال : { قام قائل فسأل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك القوم ، ثم إن رجلا من القوم أعطى ، وأعطى القوم . فقال رسول الله عليه السلام : من سن خيرا فاستن به فله أجره ، ومن أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ، ومن سن سوءا فاستن به فعليه وزره ، ومن أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم شيئا   } . 
قال  أبو جعفر   : وهذا أشبه المعنيين عندنا بالحق والله أعلم ؛ لأن المقتدي بمن تقدمه معه العمل ، ومن تقدمه فعمله في مثل ذلك قد انقطع ، فمعقول عندنا أن مع المقتدي في ذلك أكثر مما مع المبتدي ، وكذلك يكون أجر كل واحد منهما في ذلك . 
فكان جوابنا في ذلك بتوفيق الله وعونه أنه لا خلاف في ذلك لحديث  أبي هريرة  الذي قد ذكرناه ؛ لأن الذي في هذه الروايات ذكر السنة المستنة ، فهي من العلم الذي ينتفع به . 
 [ ص: 232 ] وسأل سائل فقال : هل يخالف حديث  أبي هريرة  الذي قد ذكرته ما قد روى  فضالة بن عبيد  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر : 
 252  - ما حدثنا  يونس  ،  وعيسى الغافقي  ، قالا : حدثنا  ابن وهب  قال : وأخبرني أبو هانئ الخولاني  ، عن عمرو بن مالك الجنبي   : أنه سمع  فضالة  يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من مات على مرتبة من هذه الرواتب ، بعث عليها يوم القيامة   } . 
 253  - وما قد حدثنا بكر بن إدريس بن الحجاج بن هارون الأزدي أبو القاسم  ، حدثنا  عبد الله بن يزيد المقرئ  ، حدثنا  حيوة  ،  وابن لهيعة  قالا : حدثنا أبو هانئ   : أن أبا علي الجنبي  حدثه أنه سمع  فضالة  يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله . 
 254  - حدثنا  المزني  ، حدثنا  الشافعي  ، عن  سفيان  ، عن إبراهيم بن أبي حرة  ، عن  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس  ، عن رسول الله عليه السلام مثله ، وزاد : { ولا تقربوه طيبا   } . 
 [ ص: 233 ] قال  أبو جعفر   : وذكر هذا السائل مع ذلك . 
 255  - ما قد حدثنا  أبو أمية  ، حدثنا  النبيل أبو عاصم  ، عن  سفيان  ، عن  الأعمش  ، عن  أبي سفيان  ، عن  جابر  قال : { يبعث كل عبد على ما مات عليه . قيل له : عن النبي عليه السلام ؟ قال : نعم   } . 
فكان جوابنا له في ذلك أن هذا ليس من حديث  أبي هريرة  في شيء ؛ لأن هذا فيما كان عليه صاحبه من أعمال الخير حتى قطعه موته عنه ، فبقي بعد موته على نيته التي مات عليها ، وكتب له بعد موته من الثواب ما كان يكتب له لو لم يمت ، ومثل ذلك ما قد روي عن النبي عليه السلام في المحرم يموت في إحرامه . 
 256  - كما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  سفيان  قال : سمع  عمرو بن دينار  ، حدثنا  سعيد بن جبير  بخبر عن  ابن عباس  سمعه يقول : { كنا مع النبي عليه السلام في سفر ، فخر رجل عن بعيره فوقص فمات ، وهو محرم فقال النبي عليه  [ ص: 234 ] السلام : اغسلوه بماء وسدر ، وادفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا رأسه ، فإن الله يبعثه يوم القيامة يهل   } . 
قال لنا  يونس   : قال لنا  سفيان   : وزاد فيه إبراهيم بن أبي حرة  ، عن  سعيد بن جبير  يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : { ولا تقربوه طيبا   } . 
 257  - وكما قد حدثنا  المزني  ، حدثنا  الشافعي  ، عن  سفيان  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن  سعيد بن جبير  ، عن  ابن عباس   : { أن رجلا خر من بعيره فوقص فمات ، فقال النبي عليه السلام : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تخمروا رأسه ؛ فإنه يبعث يوم القيامة يهل ، أو يلبي   } . 
ومثله ما قد روي عن النبي عليه السلام في الشهيد . 
 [ ص: 235 ] 
 258  - كما قد حدثنا  يونس  ، حدثنا  ابن وهب  ، أخبرنا  عمرو بن الحارث   : أن  ابن شهاب  حدثه ، عن  عبد الله بن ثعلبة الزهري  ، { وكان رسول الله عليه السلام قد مسح وجهه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقتلى أحد  الذين قتلوا في سبيل الله ، ووجدوهم قد مثل بهم . فقال : زملوهم بجراحهم ، فإنه ليس من كلم كلم في سبيل الله إلا يأتي يوم القيامة لونه لون دم ، وريحه ريح مسك   } . 
فهذا - أعني حديث فضالة -  ، وحديث  ابن عباس  ، وحديث عبد الله بن ثعلبة  ، فيها ذكر أحوال من كان عمل في طاعات الله تعالى ، حتى قطعه عنه موته ، وذكر أحواله التي يبعث عليها يوم القيامة . 
وحديث  أبي هريرة  ففيه ذكر أعمال مستأنفات بعد موت ذوي العلم الذي ينتفع به ، يجري عليهم ثوابها بعد موتهم منضافا إلى ما كان منهم في ذلك في حياتهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					