الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 432 ] 73 - باب بيان مشكل ما روي { عنه عليه السلام من قوله لقبيصة بن المخارق الهلالي : إن المسألة حرمت إلا في ثلاث } ، ثم ذكرهن ، ثم أعقب ذلك بقوله : { وما سوى ذلك من المسألة فهي سحت }

491 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن عيينة ، عن هارون بن رئاب ، عن كنانة بن نعيم ، { عن قبيصة بن المخارق أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نخرجها عنك من إبل الصدقة ، أو نعم الصدقة يا قبيصة ، إن المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة ، فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ، ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة حتى تكلم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : أن قد حلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ، ثم يمسك } .

[ ص: 433 ]

492 - حدثنا بكار ، حدثنا الحجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن هارون ، عن كنانة ، عن قبيصة ، عن النبي عليه السلام مثله . وزاد : { رجل حمل حمالة عن قومه أراد بها الإصلاح } .

493 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن هارون بن رئاب ، عن كنانة يعني العدوي ، عن قبيصة بن المخارق الهلالي ، عن النبي عليه السلام ، ثم ذكر مثله غير أنه لم يذكر الزيادة التي زادها بكار في حديثه .

494 - وحدثنا يونس ، حدثنا بشار بن بكر قال : قال الأوزاعي : وحدثني هارون بن رئاب ، حدثني أبو بكر - قال أبو جعفر : وهو كنانة بن نعيم - قال : كنت عند قبيصة جالسا ثم ذكر عنه أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول ... ثم ذكر مثله .

495 - وحدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا علي بن حجر ، حدثنا [ ص: 434 ] إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن هارون بن رئاب ، عن كنانة بن نعيم ، عن قبيصة بن المخارق ، عن النبي عليه السلام فذكر مثله .

فتأملنا هذا الحديث فوجدنا الأشياء الثلاثة التي أباح النبي عليه السلام عندها المسألة المحظورة قبل ذلك منها الحمالة التي يريد بها المتحمل الإصلاح ، فيسأل عند ذلك حتى يؤديها .

وفي ذلك دليل على لزوم الحمالة من تحمل بها ، ووجوبها عليه دينا ، ووجوب أخذه بها ، وإن كان المتحمل بها عنه مقدورا على مطالبته كما يقول ذلك من يقوله من أهل العلم منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .

وقد كان مالك قاله فيما حكاه عنه ابن القاسم ، ثم رجع عنه إلى أن قال : لا يجب للمتحمل له أن يطالب الحميل بما حمل حتى لا يقدر على مطالبة المتحمل عنه .

ومنها المسألة عند الحاجة الذي يتكلم عندها ثلاثة من ذوي الحجا من قوم السائل : أن قد حلت له المسألة ، فيسأل عند ذلك حتى يسد حاجته .

فقال قائل : فكيف قصد في هذا إلى الثلاثة من قومه دون الاثنين ، وقد جعل الله الاثنين حجة في الشهادة ، وفي الحكم في جزاء الصيد ، وفي الحكم بين الزوجين في الشقاق .

فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله جل وعز وعونه - أن الخلق عبيد الله يتعبدهم بما شاء ، فتعبدهم بأن جعل الاثنين حجة فيما جعلهما فيه كذلك ، [ ص: 435 ] ثم جعل الحجة في غير ذلك ، وهو الزنى بأكثر من عددهما ، وكان مثل ذلك في المسألة التي أباح المسألة عندها تعبدهم فيه على لسان رسول الله عليه السلام بثلاثة ، وخالف بين ذلك ، وبين ما سواه مما جعل الاثنين فيه حجة ، وكانت الحاجة التي ذكرنا دون الحاجة المذكورة معها في هذا الحديث ، فكانت الحاجة مما تختلف أحوال الناس عندها ، ويكون الذي نزلت به بخلاف الذي أصابته الجائحة ، التي لم يبق له معها شيء ، فكان يحتاج إلى سد حاجته ، فلم يجعل له ذلك بقوله : إن المسألة قد حلت له حتى رد إلى أقوال العدد المذكورين في هذا الحديث ، وكانت حاجات الناس مختلفة باختلاف مؤنهم في قليلها ، وفي كثيرها .

فكان ذلك مردودا إلى مقدار الحاجة في نفسها ، وكان السؤال طلقا من أجلها لأهلها حتى يسدها الله تعالى بما شاء أن يسدها به من مقادير الأشياء ، ولم يذكر من أجل ذلك مقدار ما يمنع من المسألة بعينه ، ولم يكن ذلك مخالفا للمقادير التي ذكرناها في هذا الباب الذي قبل هذا الباب ، وكان ما في ذلك للحاجة التي لا حاجة بعدها ، وكان ما في هذا الحديث للحاجة التي قد تكون ، وبقي معها للذي قد يلتمس المسألة من أجلها شيء من ماله ، لا يستطيع به سداد حاجته ، فأبيحت له المسألة حتى يسدها ، واختلف مقادير الناس في ذلك في حاجاتهم فلم يذكر مقدار الباقي للذي أبيحت له المسألة معه لذلك ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية