الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 300 ] 523 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن المكامعة والمعاكمة

3253 - حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن عياش بن عباس ، قال : حدثني أبو الحصين الهيثم بن شفي ، قال : انطلقت أنا وأبو عامر الحجري إلى إيلياء لنصلي بها ، وقاضي أهل إيلياء يومئذ أبو ريحانة الأزدي ، فلما كان ذات يوم سبقني أبو عامر بالرواح إلى المسجد ، قال : فجلست عند صاحبي ، فقال لي : أدركت قصص أبي ريحانة ؟ قلت : لا ، قال : فإنه حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشرا : الوشر ، والوشم ، والنتف ، ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار ، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار ، والحرير أن تضعوه من أسفل ثيابكم كما يصنعه العجم ، والحرير أن تضعوه من أعلا ثيابكم كما يصنعه العجم ، والنمر ، والنهبة ، والخاتم إلا لذي سلطان .

[ ص: 301 ]

3254 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، وحسان بن غالب الحجري ، قالوا : حدثنا عبد الله بن سويد بن حيان ، قال : حدثني عياش بن عباس القتباني ، عن الهيثم بن شفي ، أخبره ، قال : خرجت أنا وأبو عامر الحجري ، ثم ذكر مثله .

3255 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي ، قال : حدثنا المفضل بن فضالة ، عن عياش بن عباس القتباني ، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي أنه سمعه يقول : خرجت أنا وصاحب لي يسمى أبا عامر رجل من المعافر لنصلي بإيلياء ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 302 ] هكذا روى هذا الحديث ابن لهيعة ، وعبد الله بن سويد ، والمفضل بن فضالة ، فقالوا فيه جميعا : مكامعة الرجل الرجل ، ومكامعة المرأة المرأة .

وقد روى يحيى بن أيوب أيضا عن عياش بن عباس ، فخالفهم في ذلك ، وقال : معاكمة .

3256 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن يحيى بن أيوب ، عن عياش بن عباس ، عن الهيثم أبي الحصين الحجري ، عن أبي عامر الحجري .

أنه سمع أبا ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن عشر خصال : عن معاكمة الرجل الرجل ، والمرأة المرأة في شعار ليس بينهما شيء - يعني لحافا - ، والوشر ، والنتف ، والوشم ، والنهبة ، وركوب النمور ، واتخاذ الديباج على العاتق ، واتخاذ الديباج في أسفل الجباب ، والخاتم إلا لذي سلطان .

قال أبو جعفر : وكان معنى المكامعة المذكورة في أحاديث ابن لهيعة ، وعبد الله بن سويد ، والمفضل بن فضالة المضاجعة المذكورة فيها ، وكان معنى المعاكمة المذكورة في حديث يحيى بن أيوب هي [ ص: 303 ] ضم الشيء إلى الشيء ، ومنه قيل : عكمت الثياب : إذا شددت بعضها إلى بعض .

ومما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه المعاني .

3257 - ما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم المروي ، قال : حدثنا دحيم ، قال : حدثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثني الضحاك بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل ، ولا تنظر المرأة إلى عرية المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب .

[ ص: 304 ]

3258 - وما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تباشر المرأة المرأة ، ولا الرجل الرجل .

وقد روى الليث بن سعد حديث أبي ريحانة الذي ذكرناه عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الحصين ، فخالف رواية الذين ذكرناهم في هذا الباب في إسناده ، وفي متنه .

[ ص: 305 ]

3259 - كما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد - يعني ابن أبي حبيب - ، عن أبي الحصين الحجري ، عن أبي ريحانة - ولم يذكر بينه وبينه أحدا - أنه قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوشر ، والوشم ، والنبذة ، والمشاغرة ، والمكامعة ، والوصال ، والملامسة .

[ ص: 306 ]

3260 - وأجاز لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد في المكامعة : هي أن يضاجع الرجل الرجل في ثوب واحد ، وأخذ من الكميع ، وهو الضجيع ، قال : ومنه قيل لزوج المرأة : هو كميعها .

قال أبو عبيد في هذه الإجازة : وقد روي هذا الحديث من حديث الليث ، فذكر ما حدثه أبو النضر ، عن الليث بن سعد ، عن عياش بن عباس ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المكاعمة .

قال أبو عبيد : والمكاعمة : أن يلثم الرجل صاحبه ، أخذ من كعام البعير ، وهو أن يشد فمه إذا هاج ، يقال : كعمته أكعمه كعما ، فهو مكعوم ، وكذلك كل مشدود الفم فهو مكعوم .

قال ذو الرمة :

بين الرجا والرجا من جنب واصية يهماء خابطها بالخوف مكعوم

[ ص: 307 ] يقول : قد سد الخوف فمه ، فمنعه من الكلام ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اللثام حين ... بمنزلة ذلك الكعام .

وأما قوله : المكامعة ، فهو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد ، أخذ من الكميع ، والكميع : هو الضجيع .

قال أوس بن حجر :

وهبت الشمأل البليل وإذ     بات كميع الفتاة ملتفعا

وأما ما في هذا الحديث من الوشر ، فإن عليا أجاز لنا عن أبي عبيد ، قال : هي التي تبشر أسنانها حتى تفلجها وتحددها .

وأما الوشم ، ففي اليد ، وذلك أن المرأة كانت تغرز ظهر كفها [ ص: 308 ] ومعصمها بإبرة أو مسلة حتى تؤثر فيه ، ثم تحشوه بالكحل ، فيخضر لذلك .

وأما بقية ما في الحديث فقد مضى منه في الباب الذي قبل هذا الباب ما قد مضى منه فيه غير النهي عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان ، فإنا أخرناه لنجعله في باب مما بعد من أبواب كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية