[ ص: 119 ] 618 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تعلق به في إمامة الصبيان الذين لم يبلغوا في الفرائض من الصلوات .
3962 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا مسعر بن حبيب ، قال : حدثنا عمرو بن سلمة الجرمي .
أن أباه ونفرا من قومه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله من يصلي لنا أو قالوا من يصلي بنا ؟ قال : أكثركم أخذا للقرآن أو قال جمعا للقرآن ، قال فقدموا فلم يكن أحد في القوم أخذ من القرآن أكثر مما أخذت فقدموني وأنا غلام أصلي بهم وعلي شملة لي . قال مسعر : فأنا أدركته يصلي بهم ويصلي على جنائزهم ولا ينازعه في ذلك أحد .
3963 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا حماد بن سلمة أن أيوب السختياني أخبرهم .
[ ص: 120 ] عن عمرو بن سلمة الجرمي ، قال : كنا بحاضر يمر بنا الناس إذا جاؤوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاما حافظا ، فحفظت من ذلك قرآنا كثيرا ، فوفد أبي في ناس من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلمهم الإسلام وقال : ليؤمكم أقرؤكم ، فلم يكن في القوم أحد أقرأ مني ، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان ، وعلي بردة لي ، فكنت إذا سجدت ، تكشفت ، فمرت بنا ذات يوم امرأة وأنا أصلي بهم ، فقالت : واروا عنا عورة قارئكم هذا ، فاشتروا لي قميصا عمانيا ، فلم أفرح بشيء بعد الإسلام ما فرحت بذلك القميص . قال حماد : قال أيوب : فكان [ ص: 121 ] أول من سمعت منه هذا الحديث أبو قلابة .
3964 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عاصم الأحول ، ومسعر عن عمرو بن سلمة ، قال : لما وفد قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : ليؤمكم أكثركم قراءة للقرآن ، فجاؤوا فعلموني الركوع والسجود ، فكنت أصلي بهم ، وعلي بردة مفتوقة ، فكانوا يقولون لأبي : ألا تغطي عنا است ابنك .
فكان في هذا الحديث إمامة الصبي المذكور فيه بقومه ، فذهب قوم منهم الشافعي ، إلى إجازة إمامة الصبي الذي لم يبلغ في الصلاة إذا عقلها من الصلوات الخمس الرجال البالغين ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث .
وخالفهم في ذلك آخرون ، منهم أبو حنيفة وأصحابه ، فلم يجيزوا صلاة من عليه تلك الصلاة خلف من ليست عليه ، وكان من الحجة لهم على أهل القول الأول في هذا الحديث أن ذلك الفعل من تقديم ذلك الصبي والائتمام به لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بعينه ، وإنما [ ص: 122 ] كان من فعل الذين قدموه مما قد دخل على قلة علمهم بأحكام الصلاة ائتمامهم بمكشوف العورة فيها ، وذلك مما تمنع منه الشريعة وليس لأنه كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون حجة ، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عليه فيمضيه ، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ذكر له رفاعة بن رافع الأنصاري - وهو رجل من جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن نقباء الأنصار وممن شهد بدرا - أنهم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3965 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : أخبرنا عبد الله بن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن معمر بن أبي حبيبة ، عن عبيد بن رفاعة بن رافع ، عن أبيه قال : إني لجالس عن يمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ جاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا زيد بن ثابت يفتي الناس في الغسل من الجنابة برأيه ، فقال عمر : اعجل علي به ، فجاء زيد ، فقال عمر : بلغ من أمرك أنك تفتي الناس بالغسل من الجنابة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيك ، فقال له زيد : أما والله يا أمير المؤمنين ما أفتيت برأيي ، ولكني سمعت من أعمامي شيئا فقلت به ، فقال : من أي أعمامك ؟ فقال : من أبي بن كعب ، وأبي أيوب ، ورفاعة بن رافع ، فالتفت إلي عمر فقال : ما يقول هذا الفتى ؟ قلت : إن كنا لنفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا نغتسل ، قال : أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقلت : لا ، فقال : علي بالناس ، فأصفق الناس : [ ص: 123 ] أن الماء لا يكون إلا من الماء ، إلا ما كان من علي ومعاذ عليهما السلام ، فقالا : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فقال أمير المؤمنين : لا أجد أحدا أعلم بهذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ، فأرسل إلى حفصة ، فقالت : لا علم لي ، فأرسل إلى عائشة ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، فتحطم عمر ، وقال : لئن أخبرت بأحد يفعله ، ثم لا يغتسل لأنهكنه عقوبة .
[ ص: 124 ] فهذا عمر لم ير ما حدثه به رفاعة - مما كانوا يفعلونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مما لم يذكروه له فيحمده منهم - حجة ، فإذا كان ذلك من رفاعة مع جلالة مقداره ، وعلو منزلته في ذلك ، كذلك كان مثله فيمن ليس له من النصرة كنصرته ، ولا من الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كصحبته ، ولا من شهود بدر ، وما سواها من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما له أحرى أن يكون مما قصر فعلهم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك لا حجة فيه ، فعاد بذلك هذا الحديث لا حجة فيه لأحد من أهل هذين القولين على أحد من أهل القول الآخر منهما ، والله عز وجل نسأله التوفيق .


