الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
553 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزام عبد الله بن المغفل الجراب الشحم الذي دلي يوم خيبر ، ومن قوله مع ذلك : لا أعطي بعد اليوم منه شيئا ، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك

3449 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا بشر بن عمر ووهب بن جرير قالا : حدثنا شعبة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مغفل قال : كنا محاصري خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم ، فنزوت لآخذه ، فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستحييت منه .

[ ص: 73 ] قال أبو جعفر : وأتينا بهذا الحديث ، وإن كان ليس فيه المعنى الذي ترجمنا هذا الباب به ; لأن لا يظن أحد أنه سقط عنا من حديث شعبة .

3450 - وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا شيبان بن فروخ ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، قال : حدثنا حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مغفل ، قال : أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، فقلت : لا أعطي أحدا اليوم من هذا شيئا ، فالتفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم .

3451 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن مغفل قال : دلي جراب من شحم يوم خيبر ، فالتزمته ، فقلت : لا أعطي أحدا اليوم من هذا شيئا ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتبسم إلي .

[ ص: 74 ] فقال قائل : كيف تروون مثل هذا ، وقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا .

3452 - فذكر ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن بديل بن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بوادي القرى ، فقلت : يا رسول الله ، لمن المغنم ؟ فقال : لله عز وجل سهم ، ولهؤلاء أربعة أسهم ، فقلت : فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد ؟ قال : لا ، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه ، فليس بأحق به من أخيه .

قال : ففي هذا الحديث ، أن المسلمين جميعا شركاء في الغنيمة ، [ ص: 75 ] وأن بعضهم ليس بأولى بشيء منها من بقيتهم ، وحديث ابن المغفل الذي رويتموه مخالف لهذا .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن احتجاجه علينا بهذا الحديث قد بان جهله بصحيح الحديث من فاسده ، وأنه ممن لا تمييز معه بينهما ; لأن هذا الحديث ، وإن كان حماد بن سلمة قد رواه عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فاحتمل ذلك ، وإن كان راويه غير مسمى لقاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه عنه ، فإن ابن المبارك رواه عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل ، عن رجل من بلقين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3453 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل ، عن رجل من بلقين ، ثم ذكر هذا الحديث .

فعاد الحديث إلى رجل مجهول بين هذا الصحابي ، وبين عبد الله بن شقيق ، فوجب أن لا يحتج بمثله .

[ ص: 76 ] وبعد هذا ، فإن الذي كان من ابن المغفل إنما كان في طعام من الغنيمة ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام من الغنيمة على .

3454 - ما قد حدثناه سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي يوسف ، قال : حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته .

3455 - وما قد حدثنا أحمد بن خالد بن يزيد الفارسي ، قال : حدثنا علي بن المديني ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا أيوب ، عن نافع ، [ ص: 77 ] عن ابن عمر قال : كنا نصيب في مغازينا - فذكر العنب والعسل - فنأكله ، ولا نرفعه .

قال أبو جعفر : وإذا كان واسعا أخذ ما تقدمت غنيمة المسلمين إياه حتى يستأثروا به لحاجتهم إليه ، وحتى يأكلوه دون من سواهم من أهل الغنيمة ممن لا حاجة به إليه ، أو ممن قد استأثر بمثله لحاجته إليه ، كان ما كان من ابن المغفل مما لم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذه بيده ، ومن قوله بلسانه أوسع ، وكانت الإباحة له في ذلك أكثر ، فأما ما سوى ذلك مما يدخل في حديث البلقيني فهو مما لا حاجة بالمرمي إليه ، وأما إن احتاج إليه ليرمي به من رماه به أو من سواه من عدوه ، فحبسه إياه لذلك طلق له ، فبان بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في هذين الحديثين ، ولا اختلاف ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية