الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 282 ] 261 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه } .

1600 - حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن عمر بن سليمان ، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ، عن أبيه ، أنه سمع زيد بن ثابت يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { نضر الله امرأ سمع مني حديثا فحفظه حتى بلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه } .

1601 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : { قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف من منى ، فقال : نضر [ ص: 283 ] الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها ، فرب حامل فقه لا فقه له ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه } .

[ ص: 284 ]

1602 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني عبد السلام ، عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم... فذكر مثله .

[ ص: 285 ] قال أبو جعفر : فسأل سائل عن الفقه المقصود إليه في هذين الحديثين ، ما هو ؟ فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أنه الفهم ، ومنه قول الله عز وجل في كتابه مما حكاه ، عن نبيه موسى صلى الله عليه وسلم : واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، وقوله عز وجل : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، أي : لا تفهمونه .

قال : أفيكون كل فهم فقيها ؟

فكان جوابنا له في ذلك ، أنه لا يقال : كل فهم فقيه ، وإن كان قد فقه ذلك الشيء الذي قد فهمه ؛ لأن الفقه لما جل مقداره وتجاوز مقادير كل الأشياء من العلوم خص أهله بأن قيل لهم : الفقهاء

[ ص: 286 ] ورفعوا بذلك على من سواهم من الفقهاء ، فلم يجز أن يطلق لغيرهم من ذلك ما أطلق لهم منه .

ومما قد دل على ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { الفقه يمان } .

1603 - كما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : { الإيمان والفقه يمان والحكمة يمانية } .

1604 - وكما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني جرير بن حازم ، عن أيوب السختياني وعبد الله بن عون ، عن محمد بن سيرين ، قال : حدثنا أبو هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية } ، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقها وأبانه عن سائر الأشياء المفهومة سواه ، فلم يسمها فقها ، فكذلك أهله انطلق لهم أن يسموا فقهاء ، ولم ينطلق لمن سواهم من الفهماء أن يسموا فقهاء ، وثبت بذلك أن كل فقيه فهم ، وأنه ليس كل فهم فقيها . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية