الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 272 ] 392 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويجه المرأة التي وهبت له نفسها الرجل الذي سأله أن يزوجها إياه بغير رجوع منه إليها في ذلك ولا مؤامرة منه إياها فيه

2474 - حدثنا يونس قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني مالك بن أنس ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل ، فقال : يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال : ما أجد ، فقال : التمس ولو خاتم حديد . فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم سورة كذا وسورة كذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد زوجتكها .

[ ص: 273 ] فقال قائل : كيف يجوز لكم قبول هذا في تزويجه امرأة وهبت له نفسها غيره ممن لم يسأله تزويجها إياه ذلك الرجل ؟

فكان جوابنا له بتوفيق الله وعونه أن هذا الحديث في رواية مالك لا زيادة فيه على ما رويناه عليه ، ولكن سفيان بن عيينة قد رواه عن شيخ مالك الذي رواه عنه بزيادة فيه على ما رواه مالك عليه توجب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزويجها الرجل الذي زوجها إياه بلا استئمار منه إياها في ذلك .

2475 - كما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءت امرأة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك ، فقام رجل فقال : أنكحنيها فسكت حتى قال ذلك مرتين أو ثلاثا فقال : عندك شيء ؟ قال : لا قال : اذهب فاطلب فذهب فطلب فلم يجد شيئا ، فأتاه فقال : لم أجد شيئا ، فقال : اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد فذهب فطلب ثم جاء ، فقال : لم أجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شيء ؟ قال : نعم سورة كذا وكذا . قال : [ ص: 274 ] اذهب فقد أنكحتك مع ما معك من القرآن .

2476 - وكما قد حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد قال : أنا في القوم إذ قالت امرأة : إني وهبت نفسي لك يا رسول الله فر في رأيك ، فقام رجل فقال : زوجنيها ، فقال : اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد ، فذهب فلم يجئ بشيء ولا بخاتم من حديد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : معك من سور القرآن شيء ؟ قال : نعم فزوجه بما معه من سور القرآن .

2477 - وكما حدثنا أحمد قال : أخبرنا محمد بن منصور ، عن سفيان قال : سمعت أبا حازم يقول : سمعت سهل بن سعد يقول : إني لفي القوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقامت امرأة فقالت : يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها [ ص: 275 ] رأيك فسكت فلم يجبها بشيء حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ، ثم ذكر بقية الحديث .

فكان في هذا الحديث بما خاطبت به تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم إطلاقها له أن يرى فيها رأيه ، فكان في ذلك ما انطلق له أن يزوجها غيره فزوجها الرجل الذي سأله أن يزوجها إياه .

ومثل هذا ما قد استعمله أهل العلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المضارب الممنوع من دفع المال للمضاربة الذي دفع إليه غيره إلا أن يقول له دافعه إليه : اعمل فيه برأيك ، فيكون له بذلك دفعه إلى من يرى ليحل به محله ، وليعمل فيه كما كان هو يعمل فيه لو عمل فيه ، وليكون له من ربحه ما يجعله له منه ، فمثل ذلك ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر تلك المرأة التي وهبت نفسها لما جعلت له في هبتها له نفسها أن يرى فيها رأيه ، والله تعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية