[ ص: 104 ] 92 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في المرأة التي تزوجها فلما أدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ، وما كان منه في أمرها بعد ذلك
644 - حدثنا هارون بن محمد العسقلاني أبو يزيد ، حدثنا ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا إسماعيل بن زكريا جميل بن زيد الطائي قال : سمعت يقول : ابن عمر تزوج رسول الله عليه السلام امرأة من غفار فرأى في كشحها بياضا فخلى سبيلها .
ففي هذا الحديث رواية جميل بن زيد إياه ، عن ، وقد خولف إسماعيل عنه في ذلك فرووه عنه ، عن غير ابن عمر ، ولم نعلم [ ص: 105 ] أحدا وافق ابن عمر إسماعيل بن زكريا عنه في ذلك غير القاسم بن غصن ، فإن محمد بن إسماعيل البخاري ذكر عن محمد بن عبد العزيز الواسطي ، عن القاسم بن غصن سمع جميل بن زيد ، عن ... ثم ذكر مثله سواء . ابن عمر
645 - وفيه ما حدثنا أبو عمران موسى بن الحسن بن عبد الله المروزي المعروف بالسقلي ، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا القاسم بن غصن ، عن زيد بن جميل ، كذا قال : عن : ابن عمر أن النبي عليه السلام تزوج امرأة من بني غفار ، فلما دخل بها رأى بكشحها بياضا ، فانماز عنها ، وقال : أرخي عليك ثيابك ، فخلى سبيلها .
[ ص: 106 ] وأما من خالفهما في ذلك عن جميل بن زيد فإن منهم : ، ذكره عن عباد بن العوام جميل قال : سمعت كعب بن زيد الأنصاري .
646 - كما حدثنا محمد بن علي بن داود قالا : حدثنا وإبراهيم بن أبي داود ، عن سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا عباد بن العوام جميل بن زيد الطائي قال : سمعت كعب بن زيد الأنصاري يحدث غفار فرأى بكشحها لطخا فقال : ضعي عليك ثيابك والحقي بأهلك . أن النبي عليه السلام تزوج امرأة من
ومنهم رواه عن أبو معاوية الضرير جميل بن زيد ، عن زيد بن كعب بن عجرة .
647 - كما حدثنا عبد الملك بن مروان أبو بشر الرقي ، حدثنا ، عن أبو معاوية جميل بن زيد الطائي ، عن زيد بن كعب بن عجرة قال :
[ ص: 107 ] قال ، عن أبو معاوية رجل ، عن جميل بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر لها بالصداق تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار فلما أدخلت عليه رأى بكشحها بياضا ، فقال : البسي ثيابك ، والحقي بأهلك نحوه . .
ومنهم حفص بن غياث فرواه عن جميل ، عن زيد بن كعب .
648 - كما حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني أبو القاسم ، حدثني أبو أسامة عبد الله بن أسامة الكلبي الكوفي ، حدثنا ، عن عمر بن حفص ، عن أبيه جميل الطائي ، عن زيد بن كعب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة من بني غفار ووصفت ، فتزوجها ، فلما أدخلت عليه رأى ما بها ، وكان في كشحها بياض ، وكرهها ومتعها ، وقال : الحقي بأهلك ، فألحقت بأهلها .
ومنهم محمد بن أبي حفص فرواه ، عن جميل ، عن زيد بن كعب بن عجرة .
649 - كما أجاز لي أبو يزيد هارون بن محمد العسقلاني ، عن المفضل بن غسان الغلابي أنه حدثه قال : حدثنا ، حدثنا ابن الحماني محمد بن أبي حفص ، حدثنا جميل بن زيد ، عن زيد بن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار فدخل بها فوجد بكشحها بياضا ، فقال : البسي ثوبك ، وأعطاها الصداق وقال : الحقي بأهلك .
ففي هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة المذكورة فيه : الحقي بأهلك ، فالكلام في ذلك كالكلام في قوله للمرأة المستعيذة منه المذكورة قبل هذا الباب من هذا الكتاب : الحقي بأهلك .
وفي هذا الباب إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة المذكورة فيه الصداق ، [ ص: 108 ] فقال قائل : ففي حديث ابن أبي حفص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم متعها .
قيل له : ليس هذا عندنا بمخالف لما في حديث ابن أبي حفص هذا ؛ لأنه قد يجوز أن يكون جعلها كالمدخول بها لخلوته وإمكانها إياه نفسها ؛ ولأن تركه كان لمسيسها باختياره ذلك لا لما سواه ، فقام ذلك منه مقام المماسة منه لها ، وإن كان لم يمسها في الحقيقة .
ثم طلبنا الوقوف على أحوال محمد بن أبي حفص هذا ، هل هي أحوال توجب له قبول الزيادة في روايته لهذا الحديث على من سواه ممن رواه فقصر عن ذكر أمر النبي عليه السلام لتلك المرأة بالصداق ، فوجدنا البخاري قد ذكر في تاريخه : محمد بن أبي حفص هذا ، فقال : هو كوفي سمع منه أبو نعيم .
وحدثنا عنه أبو غسان .
وذكر لي محمد بن موسى الحضرمي أن أبا حفص عمر بن حفص بن أسلم بن راشد السكوني قال : وهو عن الذي كان عندنا هاهنا ، قال : وكان عمه هذا أحد الثقات محمد بن جعفر بن الإمام ببغداد أنه حدثه قال : حدثنا حدثنا عبد الله - يعني ابن صالح العجلي - محمد بن عمر العطار ، عن جميل بن زيد الطائي ، عن سعد بن زيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار فدخل بها ، فأمرها أن تنزع ثيابها ، فأبصر بياضا من برص عند ثديها ، فلما أصبح قال : خذي ثيابك والحقي بأهلك ، وأكمل لها الصداق .
فوقفنا بما ذكرنا على جلالة محمد بن أبي حفص في الرواية برواية [ ص: 109 ] الوجوه عنه من أبي نعيم ومن أبي غسان ومن عبد الله بن صالح العجلي ومن . يحيى بن عبد الحميد الحماني
ثم طلبنا الوقوف على كعب بن زيد أو زيد بن كعب أو سعد بن زيد ، هل له صحبة أم لا ؟ فوجدنا البخاري في تاريخه لما ذكر المسمين بكعب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر منهم : كعب بن عمرو أبا اليسر ، وذكر ، وذكر كعب بن عجرة كعب بن مالك ، وذكر كعبا الأشعري ، وذكر كعب بن عياض ، ثم ذكر كعبا الذي قطعت يده يوم اليمامة ، ثم قال : وكل هؤلاء لهم صحبة ، ثم ذكر بعقب ذلك كعب بن زيد ، فقال ويقال : زيد بن كعب ، ثم ذكر بعده كعب بن ماتع الذي يقال له الأحبار ، وكان ذلك دليلا على إدخاله إياه في الصحابة أو على قربه منهم كان عنده ، وإذا كان ذلك كذلك لم يبعد أن يكون هذا الحديث حجة لمن يقول بوجوب الصداق لمن أمكن مسيسه فطلق قبل أن يماس لا سيما وقد ذهب إلى ذلك القول جماعة من وجوه أصحاب رسول الله عليه السلام ومن الخلفاء الراشدين المهديين منهم : عمر وعلي .
وكما حدثنا ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، عن سعيد يعني ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس عمر قالا : وعلي . إذا أغلق بابا أو أرخى سترا فلها الصداق [ ص: 110 ] كاملا وعليها العدة
وبه حدثني وأخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن قال : قال الأحنف عمر : وعلي . إذا أرخيت الستور وغلقت الأبواب فقد وجب الصداق
وكما حدثنا ، حدثنا يونس أن ابن وهب أخبره ، عن مالكا ، عن يحيى بن سعيد سعيد بن المسيب قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا أرخى الستر فقد وجب لها الصداق عمر . أن
وكما حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا ابن معبد ، عن جرير ، عن منصور ، عن منهال عباد بن عبد الله قال : قال : علي . إذا أرخي الستر وأغلق الباب فقد وجب الصداق
وكما حدثنا ، حدثنا بكار ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان ، عن منصور ، عن المنهال حيان بن مرثد قال : قال : علي . إذا أغلق الباب وأرخي الستر فقد وجب الصداق
[ ص: 111 ] وكما حدثنا ، حدثنا ابن مرزوق ، أخبرنا عثمان بن عمر قال : عوف يعني الأعرابي في زرارة بن أوفى مسجد البصرة يقول : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة . سمعت
ففي هذا زيادة على ما قبله مما رويناه عن عمر وعلي ، وإدخال بقية الخلفاء الراشدين المهديين في القول بهذا القول أيضا .
وقد روي عن ما يدل على أنه كان يذهب هذا المذهب أيضا . زيد بن ثابت
كما حدثنا ، أخبرنا يونس ، أخبرني ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، أخبرني أبيه : سليمان بن يسار الحارث بن الحكم تزوج امرأة فدخل عليها ، فإذا هي خضراء ، فكرهها ، فلم يكشفها كما يقول ، واستحيى أن يخرج مكانه ، فقال عندها مخليا بها ، ثم خرج فطلقها ، وقال : لها نصف الصداق ولم أكشفها وهي ترد ذلك عليه ، فرفع ذلك إلى مروان بن الحكم فأرسل إلى فقال : يا زيد بن ثابت أبا سعيد رجل صالح كان من شأنه كذا وكذا وهو عدل ، هل عليه إلا نصف الصداق ؟ فقال له : أرأيت لو أن المرأة الآن حملت ، فقالت : هو منه ، أكنت مقيما عليها الحد ؟ فقال زيد بن ثابت مروان : لا ، فقال : بل لها صداقها كاملا زيد بن ثابت . أن
[ ص: 112 ] وكما حدثنا ، حدثنا يوسف بن يزيد أبو يزيد ، أخبرني سعيد بن منصور ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن سليمان بن يسار زيد بن ثابت . في الرجل يخلو بالمرأة فيقول : لم أقربها ، وتقول : قد قربني ، قال : القول قولها
فهذا قد كان مذهبه في ذلك كمذهب من ذكرناه قبله فيه في هذا الباب . زيد بن ثابت
فإن قال قائل : إنما ذلك كان لدعوى المرأة في ذلك مع الخلوة ما ادعت من قرب زوجها إياها ، قيل له : لو كان ما ذكرت كما وصفت لما كانت دعواها مقبولة لما يوجب لها معنى لم يكن واجبا قبل ذلك ، مع نفي من يدعيه عليه إياه عن نفسه إلا بحجة توجب لها ذلك عليه ، ولما لم تكن مسؤولة عن ذلك حجة كان إرخاء الستور وإغلاق الأبواب وإمكانها زوجها من نفسها بحيث لا مانع له منها يوجب لها الصداق عليه ، ويكون به في حكم المماس لها ، وإن لم يمسها ، فقد تواترت أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، واتفقت على أن الإمكان الذي ذكرنا يكون به الذي مكن منه كالمماس للمرأة التي أمكنته من نفسها ، ولا نعلم مخالفا لهم سواهم من أصحاب [ ص: 113 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
فإن قال قائل : بلى قد خالفهم في ذلك . ابن عباس
فذكر ما حدثنا ، حدثنا يونس ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء قال : ابن عباس . إذا نكح الرجل ففوض إليه ثم طلق قبل أن يمس فليس لها إلا المتاع
قيل له : ليس هذا مخالفا عندنا لما قد رويناه قبله في الخلوة والمكان ، عن من رويناهما عنه في هذا الباب ، والتفويض عندنا المذكور في هذا الحديث هو التفويض إلى الزوج في تسمية الصداق لمن يزوجه على غير صداق ، فلا يفعل ذلك ، ثم يطلق قبل أن يمس ، فليس عليه إلا المتعة ، وليس هو عندنا على تفويض معه خلوة ولا إمكان له من الجماع ، وإذا كان ذلك محتملا لما قد ذكرنا لم يكن مخالفا عندنا لما ذكرناه قبله عمن ذكرناه في هذا الباب .
فإن قال : فإن ظاهر القرآن يدل على ما تأولنا عليه مما روي عن في هذا الحديث لأن الله تعالى قال في كتابه : ابن عباس وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وكان معقولا بذلك أن من طلق ولم يماس أن الذي يلزمه بهذه [ ص: 114 ] الآية هو نصف الصداق لا كله .
قيل له : إن الذين قالوا في هذا بوجوب الصداق ووجوب العدة هم الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، ولحق بهم في ذلك وهو كاتب الوحي والمؤتمن عليه ، والقرآن نزل بلغتهم وهم يعرفون تأويله ، وكان بما أشكل عليهم منه يستعلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمهم بمراد الله تعالى به ، وفي خلافهم تجهيل لهم والخروج عن مذاهبهم إلى ما سواها ، مما نعوذ بالله منه ، مع أنا قد وجدنا في اللغة ما قد أبيح لنا أن نسمي من أمكنه المسيس ولم يماس باسم المسيس ، كما سمي ابن زيد بن ثابت إبراهيم عليهما السلام إما إسماعيل وإما إسحاق ذبيحا ، لا لأنه ذبح ولكن لما أمكن من نفسه وأمكن أبوه ذلك منه بأن تله للجبين سمي بذلك ذبيحا وإن لم يذبح .
فمثل ذلك ما قد ذكرناه من إمكان هذه المرأة نفسها زوجها من جماعه حتى لم يكن بينه وبين ذلك حائل ولا له منه مانع يجوز أن يطلق عليه اسم مماس لها ، وإن لم يكن مماسا لها في الحقيقة ، وتدخل بذلك في معنى المطلق بعد المسيس لأنه في معنى المطلق قبله ، وقد وجدنا ما قد أجمع المسلمون عليه لأنهم لم يختلفوا في من باع شيئا له بثمن حبسه حتى يقبض ذلك الثمن فمكن من قبضه وخلي بينه وبينه فلم يضع يده عليه ولم يقبضه ولحقه [ ص: 115 ] هلاك أنه يكون هالكا من ماله لا من مال بائعه .
وفي ذلك على ما وصفناه دليل مع تعلق أكثر فقهاء الأمصار بهذا منهم : في متبعيه ، أبو حنيفة ومالك في متبعين من متبعيه ، والليث في متبعيه ، والأوزاعي في متبعيه ، والثوري في متبعيه أيضا ، والله نسأله التوفيق .