[ ص: 358 ]  851 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المراد فيما كان يستعمله في خطبه وفي كلامه من قوله : " أما بعد " 
 5327  - حدثنا  إبراهيم بن أبي داود  ، قال : حدثنا  أبو اليمان  ، قال : حدثنا  شعيب بن أبي حمزة  ، عن  الزهري  ، عن  علي بن الحسين  ، عن  المسور بن مخرمة  ، قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أما بعد ، فإن بني هشام بن المغيرة  استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم  علي بن أبي طالب  ، ولا آذن ، فإن فاطمة  بضعة مني   . 
وقد ذكرنا حديث  المسور بن مخرمة  هذا فيما تقدم منا في كتابنا هذا بأسانيد غير هذا الإسناد . 
 5328  - وحدثنا  أبو أمية  ، قال : حدثنا محمد بن بكير  ، قال : حدثنا  يزيد بن زريع  ، قال : حدثنا  داود  ، عن  أبي نضرة   [ ص: 359 ] ، عن  أبي سعيد  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبته : " أما بعد   . 
ويدخل في هذا الباب أيضا ما قد رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الحاجة من ذكره فيها " أما بعد " فيما تقدم منا في كتابنا هذا . 
فقال قائل : ما المراد بأما بعد في هذه الآثار ، ومما يستعمل في الكلام ابتداء مما لم يتقدمها شيء يكون بعدا له ؟ 
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - : أن العرب تستعمل في كلامها الإيجاز والإشارات إلى المعاني التي يريدونها بالكلام الذي يحاولون الكلام به ; لعلمهم بعلم من يخاطبونه بما يخاطبونه به ، فكان قولهم : " أما بعد " مما يبتدؤون به كلامهم ، يريدون به معنى محذوفا كان ذلك الكلام من أجله ، فعاد مبنيا عليه ، ومن ذلك أن ابتدؤوا ما أرادوا من ذلك بحمد الله - عز وجل - وبتسميته ، وعلى ذلك جرت الكتب بعدهم ، فكان معنى " أما بعد " ، أي : أما بعد الذي كان منهم من التسمية والتحميد ، فإن كذا وكذا ، ثم يذكرون الذي يريدونه مع حذفهم ذكر ما أرادوه ، والدليل على ذلك رفعهم " بعد " ، إذ كان المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد ، وكانوا لو جاؤوا به بتمامه ; لقالوا : " أما  [ ص: 360 ] بعد كتابنا هذا " ، فيأتون ببعد منصوبة ; لأنها صفة ، ثم يقولون : فقد كان كذا وكذا ، فلما حذفوا ذلك ، رفعوا " بعد " ، وهو الذي يسميه اللغويون غاية ، ومنه قول الله - عز وجل - : لله الأمر من قبل ومن بعد  ، أي : من قبل كل شيء ، ومن بعد كل شيء لما هو مضاف إلى " بعد " ، فلما حذف ذكره ، رفع : " قبل " و " بعد " على الغاية ، ومن ذلك قالوا : أعطيك درهما لا غير ، فيرفعون " غير " ، ولو جاؤوا بتمام الكلام لنصبوا " غير " ، فقالوا : أعطيتك درهما لا غيره ، وبالله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					