[ ص: 55 ]  419 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتيع النساء المطلقات . 
 2642  - حدثنا روح بن الفرج  ، قال : حدثنا  يحيى بن عبد الله بن بكير  ، قال : حدثني  الليث بن سعد  ، عن  أبي الزبير المكي  ، أنه سأل عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص  عن طلاق جده أبي عمرو   فاطمة ابنة قيس  ، فقال له عبد الحميد   : طلقها ألبتة ، ثم خرج إلى اليمن  ، فوكل عياش بن أبي ربيعة  ، فأرسل إليها عياش  ببعض النفقة ، فسخطتها ، فقال لها عياش   : ما لك علينا من نفقة ولا سكنى ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما قال ، فقال : ليس لك نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف ، اخرجي عنهم ، فقالت : أأخرج إلى بيت أم شريك  ؟ فقال لها : إن بيتها يوطأ ، انتقلي إلى بيت عبد الله ابن أم مكتوم  الأعمى فهو أقل   . 
 [ ص: 56 ] 
 2643  - وحدثنا روح بن الفرج  ، قال : حدثنا  يحيى بن عبد الله  ، قال : حدثنا  الليث  ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود  ، عن  أبي سلمة  ، عن  فاطمة ابنة قيس  نفسها بمثل حديث الليث  ، عن  أبي الزبير  حرفا بحرف . 
قال  أبو جعفر   : فكان في هذا الحديث مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لك عليهم نفقة ولا سكنى ، ولكن متاع بالمعروف ، فاحتمل أن يكون ذلك على الإيجاب ، واحتمل أن يكون على الندب والحصر ، لا على الإيجاب . 
فتأملنا ذلك فوجدنا الله - عز وجل - قد ذكر تمتع المطلقات في ثلاثة مواضع من كتابه ، وهي قوله عز وجل : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين  ، وقوله : متاعا بالمعروف حقا على المحسنين  ، وقوله عز وجل : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن  ، الآية ، فكان ذلك مما قد يحتمل أن يكون كمثل قوله - عز وجل - : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين  [ ص: 57 ] فكان ذلك على الندب والحض ، لا على الإيجاب ، فيكون مثل ذلك قوله عز وجل في متع المطلقات حقا على المحسنين ، وحقا على المتقين ، يكون ذلك على الترغيب في ذلك ، والحض عليه ، فيكون في المطلقات جميعا مدخولا بهن كن أو غير مدخول بهن ، 
كما قد روي عن علي رضي الله عنه ، مما قد حدثنا  يونس بن عبد الأعلى  ، قال : حدثنا  عبد الله بن وهب  ، قال : أخبرني  يحيى بن أيوب  ، وموسى بن أيوب الغافقي  ، عن عمه إياس بن عامر  أنه سمع  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه يقول ذلك ، يعني : لكل مطلقة متعة  ، واحتمل أن يكون ذلك على الندب والحض ، واحتمل أن يكون ذلك على الإيجاب لبعضهن دون بعض ، كما قد روي عن  عبد الله بن عمر  في ذلك . 
مما قد حدثنا  يونس  ، قال : حدثنا  ابن وهب  ، أن  مالكا  أخبره ، عن  نافع  ،  [ ص: 58 ] عن  عبد الله بن عمر  أنه كان يقول : لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق ، فحسبها نصف ما فرض لها   . 
وما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، قال : حدثنا  أبو حذيفة موسى بن مسعود  ، قال : حدثنا  سفيان الثوري  ، عن  عبيد الله بن عمر  ، عن  نافع  ، عن  ابن عمر  ، فذكر مثله ، فكان في هذا من قول  ابن عمر  إخراج المطلقات قبل الدخول بهن من المتع اللاتي ذكرنا ، ثم التمسنا حكم ذلك من طريق النظر ، فوجدنا الواجب إبدالا من الإبضاع يجب بوقوع التزويجات وانعقادها ، لا بما سوى ذلك ، ولما كانت المتع لا توجبها التزويجات اللاتي لا طلاق معها ، كان بأن لا يوجبها الطلاق الذي يكون بعدها أحرى ، فإن قال قائل : فقد رأينا الطلاق يوجب النفقة والسكنى في العدة ، ولم يكونا واجبين قبل ذلك . 
 [ ص: 59 ] فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله عز وجل وعونه - أن الأمر ليس كما ذكر ، ولكنهما قد كانا واجبين بالتزويج وجوبا لم يرفعه الطلاق الواقع فيه ، فهذه حجة في وجوب التمتع للمطلقات بعد الدخول ، فأما المطلقات قبل الدخول فقد اختلف أهل العلم فيهن ، هل لهن متع يحكم بها على مطلقيهم الذين لم يكونوا فرضوا لهن صداقا أم لا ؟ فقال قائلون : لهن عليهم المتع ، وإن كانوا قد اختلفوا في مقادير المتع ، فقال قائلون منهم : هي المقدار الذي يجزئ في الصلاة من اللباس ، وممن قال ذلك منهم كثير من الكوفيين  منهم :  أبو حنيفة  ، والثوري  ، والقائلون بقولهما ، وقال آخرون منهم : مقدار المتعة في هذا هو نصف صداق مثلها من نسائها اللاتي يرجع في مثل صداقها إلى أمثال صدقات أمثالهن ، وممن قال ذلك منهم : حماد بن أبي سليمان  ، وهذا هو الأولى مما قالوه في ذلك على أصولهم التي بنوا هذا المعنى عليها ، وقال قائلون من أهل العلم سواهم : إن المتع في هذا محضوض عليها ، مأمور بها غير مجبر عليها ، وممن قال ذلك منهم :  مالك بن أنس  ، وخالف الآخرين الذين ذكرناهم في ذلك ؛ لأن أولئك يوجبونها ، ويجبرون عليها ، ويحبسون فيها ، وكان الأولى مما قد قيل في ذلك عندنا - والله أعلم - الإيجاب لها ، والحبس فيها ؛ لأن التزويج وقع بلا تسمية صداق ، أوجب لها صداق مثلها على زوجها ، كما أوجب ملك بضعها لزوجها ، فلما وقع الطلاق قبل الدخول أسقط عن الزوج نصف  [ ص: 60 ] الواجب عليه قبل الطلاق مما قد كان محبوسا في جميعه لو لم يطلق ، فإذا طلق فسقط عنه بالطلاق نصفه ، بقي النصف الباقي عليه كما كان عليه قبل ذلك من فروضه إياه ، وأخذه به وحبسه فيه ، كما إذا سمى لها صداقا ، ثم طلقها قبل دخوله بها ، فزال عنه نصفه ، يكون النصف الباقي لها عليه على حكم كله الذي كان لها عليه قبل الطلاق من لزومه إياه لها ، ومن حبسه لها فيه . 
وقد رويت عن المتقدمين آثار في المتع بالطلاق نحن ذاكروها في هذا الباب إن شاء الله . 
فمنها ما قد حدثنا سليمان بن شعيب  ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد  ، قال : حدثنا  شعبة  ، قال : أخبرني  الحكم  أن رجلا خاصم إلى  شريح  في متعة امرأته ، فقال شريح   : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين  ، فإن كنت من المتقين فعليك متعة ، ولم يقض به .  
ومنها ما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، قال : حدثنا  وهب  ، عن  شعبة  ، عن  أيوب  ،  [ ص: 61 ] عن  سعيد بن جبير  قال : لكل مطلقة متعة   . 
وما قد حدثنا  يوسف بن يزيد  ، قال : حدثنا  سعيد بن منصور  ، قال : حدثنا  هشيم  ، قال : أنبأنا  يونس  ، عن  الحسن  ، ثم ذكر مثله . 
ومنها ما قد حدثنا  يوسف  ، قال : حدثنا  سعيد  ، قال : حدثنا  هشيم  ، قال : أخبرنا  عبد الملك  ، عن  عطاء  قال : لكل مطلقة متاع ، إلا التي طلقها قبل أن يدخل بها وقد فرض لها ، فلها نصف الصداق   . 
ومنها ما قد حدثنا  يوسف  ، قال : حدثنا  سعيد  ، قال : حدثنا  هشيم  ، قال : أنبأنا  مغيرة  ، عن  إبراهيم  ، ومحمد بن سالم  ، عن  الشعبي  مثله . 
 [ ص: 62 ] ومنها ما قد حدثنا  يوسف  ، قال : حدثنا  سعيد  ، قال : حدثنا  هشيم  ، قال : أخبرنا جويبر  ، عن  الضحاك  أنه قال : لكل مطلقة متاع حتى المختلعة .  
وفيما قد ذكرنا فيما قد تقدم من هذا الباب ما قد دل على الصحيح مما قد قالوه في ذلك ، مما ذكرناه عنهم ، والله نسأله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					