[ ص: 122 ]  951 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفعه القصاص عن العبد الذي قطع أذن عبد لغير مواليه . 
 5887  - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ،  حدثنا محمد بن منصور الجواز  ، حدثنا  معاذ بن هشام  ، عن  أبيه  ، عن  قتادة  ، عن  أبي نضرة   . 
عن  عمران بن الحصين   : أن عبدا لقوم أغنياء قطع أذن عبد لقوم فقراء ، فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما قصاصا   . 
 5888  - حدثنا  يحيى بن عثمان ،  حدثنا بكر بن خلف  ، حدثنا  معاذ بن هشام ،  حدثنا  أبي  ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : إن عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء   . 
 [ ص: 123 ] وفي هذا الحديث موضع من الفقه يجب أن يوقف عليه ، وهو ما يختلف أهل العلم فيه من جنايات العبيد بعضهم على بعض فيما دون النفس . 
فكانت طائفة منهم تقول : لا قود بينهم في ذلك ، منهم :  أبو حنيفة  وأصحابه ، ومن قولهم : إن القصاص بينهم في الأنفس . 
وطائفة توجب القود بينهم في ذلك كما توجبه بين الأحرار فيه . 
ويحتج من ذهب إلى ما ذكرناه من أهل القول الأول لقولهم ذلك : بحديث  عمران بن حصين  الذي قد رويناه ، ويحتجون لقولهم بإيجاب القصاص بينهم في الأنفس كما يوجبه بين الأحرار فيها . 
 5889  - بما حدثنا  ابن أبي داود  ، حدثنا  مسدد بن مسرهد  ، حدثنا  يحيى بن سعيد  ، عن  سعيد بن أبي عروبة  ، عن  قتادة  ، عن  الحسن  ، عن قيس بن عباد  قال : انطلقت أنا والأشتر  إلى  علي   - رضي الله عنه - فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده إلى الناس؟ قال : لا ، إلا ما في كتابه هذا ، فأخرج كتابا من قراب سيفه ، فإذا فيه : المؤمنون تكافؤ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ، ومن أحدث حدثا فعلى نفسه ، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين   . 
 [ ص: 124 ] فكان في هذا الحديث إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكافؤ دماء المسلمين ، وإخباره أنه يسعى بذمتهم أدناهم - وهو العبد - وفي ذلك ما قد دل أن دماء العبيد تكافئ دماء الأحرار من المسلمين ، وفي ذلك وجوب القود بين العبيد والأحرار ، ففيما بينهم أوجب . 
وكان تصحيح هذا الحديث وحديث  عمران بن الحصين  الذي ذكرنا أولى بأهل العلم ، فيما يحملون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصحيحها ، ويكون ما يوجبه كل واحد منهما إلى الوجه الذي أريد به من غير رفع  [ ص: 125 ] منهم بعضا ببعض ، فوجب بذلك قول من ذهب في العبيد إلى القصاص بينهم في الأنفس ، وإلى تركه بينهم فيما دونها ، وكان ذلك عندنا - والله أعلم - على أن الأنفس لم يرد فيها الرجوع إلى القيم ، وجعلت مكافئة بعضها لبعض ، وعلى أن ما دون الأنفس رد إلى المساواة ، وإلى تكافؤ القيم فيه من ذوي القيم ، وهو العبيد ، فكانت القيم غير مدرك حقائقها ، بل إلى ما يرجع منها إلى الحزر والظن الذي لا حقيقة معه ، والذي قد يقع فيه الاختلاف بين المقومين له ، فيقومه بعضهم بشيء ، ويقومه غيره منهم بخلافه ، ولما كان ذلك كذلك رفع القصاص بين العبيد فيما دون الأنفس ، فإذا ارتفع عنهم في ذلك كان ارتفاعه فيما بينهم وبين الأحرار أولى ، وما سوى ذلك مما لا يراد فيه رجوع إلى قيمة ، إنما يراد فيه أخذ النفس بالنفس ، تستوي فيه أنفس الأحرار وأنفس العبيد ، فيكون القصاص في ذلك بينهم جميعا لا يختلفون فيه . 
فقال قائل : وجدتم هذا القول عند أحد من أهل العلم ممن هو أعلى ممن ذكرتم من  أبي حنيفة  وأصحابه ؟ 
قيل له : قد وجدنا ذلك عمن تقدمهم ، وهو  عبد الله بن مسعود   . 
كما حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني  ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد  ، حدثنا  زهير بن معاوية  ، عن  الحسن بن الحر  ، عن  الحكم   : أن العبد لا يقاد من العبد في الجراح العمد ، ولا في الخطأ ، فعقل المجروح على قدر ثمنه على أهل الجارح حتى يخير مولى الجارح ، فإن شاء فدى عبده ، وإن شاء سلمه برمته  ، فذكر ذلك الحكم  عن  [ ص: 126 ]  إبراهيم  ،  والشعبي  ، عن  عبد الله بن مسعود   . 
وذلك أنه جعله مالا ، فدل ذلك أن مذهب عبد الله  كان أن ما دون النفس من العبيد يرد إلى المال الذي يراد فيه التكافؤ في القيم ، وأنهم في الأنفس كمن سواهم من الأحرار ، ولا يرجع في ذلك إلى قيمة ، ولا إلى ما سواها . 
فإن قال قائل : فإبراهيم  والشعبي  لم يلقيا عبد الله  ؟ 
كان جوابنا له في ذلك : أن إبراهيم  قد روينا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا أنه قال للأعمش  لما قال له : إذا حدثتني فأسند ، فقال له : إذا قلت : قال عبد الله  فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعة عنه ، وإذا قلت : حدثني فلان ، عن عبد الله  ، فهو الذي حدثني ، فأخبر إبراهيم  بذلك بأن ما لا يذكر فيه من بينه وبين عبد الله  أقوى مما يذكره عن رجل بعينه ، عن عبد الله ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					