[ ص: 452 ] 922 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لأم سلمة لما خطبها ، فقالت : إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا ليس عمر وهو صغير لم يبلغ ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرها
5751 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت البناني ، قال : حدثني ابن أم سلمة : أن أم سلمة لما انقضت عدتها ، أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها ، فقالت : مرحبا برسول الله إن في خلالا ثلاثا : أنا امرأة شديدة الغيرة ، وأنا امرأة مصبية ، وأنا امرأة ليس من أوليائي أحد شاهدا يزوجني ، فغضب عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاها فقال : أنت تردين رسول الله ، فقالت : يا ابن الخطاب ، في كذا وكذا . فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أما ما ذكرت من غيرتك ، فإني أدعو الله أن يذهبها عنك ، وأما ما ذكرت من صبيتك ، فإن الله تعالى سيكفيهم ، وأما ما ذكرت من أنه ليس أحد من أوليائك شاهدا فيزوجك ، فإنه ليس أحد أوليائك شاهدا ولا غائبا يكرهني ، فقالت لابنها : زوج رسول الله ، فزوجه .
[ ص: 453 ] فقال قائل في هذا الباب : إن أم سلمة قد قالت للنبي عليه السلام : إنه ليس أحد من أوليائها شاهدا ، فلم ينكر ذلك من قولها ، ولم يقل لها : وهل لك ولي غير نفسك ؟ ففي ذلك ما قد دل على خلاف ما صححتم عليه حديث ابن عباس من نفي الولي عن الثيب .
فكان جوابنا له في ذلك : أنه ليس في ذلك ما يخالف تصحيح حديث ابن عباس على ما قد صححناه عليه ، وأن ذلك مما ينفي أن يكون للمرأة أن تعقد النكاح على نفسها ، وإن كانت أيما حتى توليه غيرها من الرجال .
5752 - وحدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حماد بن سلمة .
5753 - وحدثنا ابن أبي داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، حدثني عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أمه أم سلمة ، ثم ذكر هذا الحديث .
[ ص: 454 ] فقال قائل : في هذا الحديث إدخال حماد بن سلمة في إسناده رجلا لا يعرف ، وهو ابن عمر بن أبي سلمة .
فكان جوابنا له في ذلك : أن أصل الحديث على أخذ ثابت إياه من عمر بن أبي سلمة سماعا لا دخيل بينهما ، كذلك رواه جعفر بن سليمان الضبعي .
5754 - كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا جعفر بن سليمان ، حدثنا ثابت البناني ، حدثني عمر بن أبي سلمة ، عن أمه أم سلمة [ ص: 455 ] ، عن زوجها أبي سلمة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ما من أحد من المسلمين يصاب بمصيبة ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم إني احتسبت مصيبتي عندك فأبدلني خيرا منها ، إلا أبدله الله خيرا منها ، فلما توفي أبو سلمة ، قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم إني احتسبت في مصيبتي ، فأبدلني به خيرا منه . قالت : وجعلت أقول في نفسي : من خير من أبي سلمة ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبني فتزوجته .
فدل هذا الحديث : أن أصل الحديث هو عن عمر بن أبي سلمة [ ص: 456 ] لا دخيل بينهما ، وقد وافق زهير بن العلاء جعفر بن سليمان في إسناد هذا الحديث أيضا أنه عن ثابت ، عن عمر بن أبي سلمة .
5755 - كما حدثنا علي بن الحسين بن حرب ، حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا زهير بن العلاء ، حدثنا ثابت البناني ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أم سلمة ، ثم ذكر هذا الحديث بمعناه إلا أنه قال : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أصاب أحدكم مصيبة ، فليقل : إنا لله وإنا إليه راجعون ، بغير ذكر منه أبا سلمة في ذلك ، وبقية هذا الحديث على مثل حديث حماد بن سلمة في متنه سواء .
فكان الذي في هذا الحديث من عقد عمر ابنها عليها التزويج ، وليس بولي لها لأنه كان طفلا ، هو على معنى ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تزويجه ميمونة ، وعلى أنه لما لم يكن لأم سلمة ولي حاضرها ، وأمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيحتمل أن يكون جعل إليها أن تجعل ذلك إلى من رأت فجعلته إلى ابنها ، واحتمل أن تكون فعلت [ ص: 457 ] ذلك ابتداء فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنها ، فكان ذلك إمضاء منه له .
وفي هذا الباب من الفقه دليل على أن عقود الصبيان للأشياء بأمور البالغين جائزة كما يقول أبو حنيفة وأصحابه ، لأن عمر بن أبي سلمة كان صغيرا يوم عقد التزويج على أمه ، وقد قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقال قائل : عسى أن يكون عمر كان بالغا يومئذ .
فكان جوابنا له في ذلك : أن في حديث أم سلمة الذي ذكرنا ما قد نفى ذلك بقولها للنبي صلى الله عليه وسلم ليس أحد من أوليائي شاهدا ، لأنه لو كان بالغا لكان من أوليائها ، إما بأن يكون لأنه ابنها كما يقوله من أهل العلم ، منهم : أبو يوسف ، وإما لأنه ابن ابن عمها فكان وليا لا محالة .
ففي ترك النبي صلى الله عليه وسلم إنكاره قولها ذلك ما قد دل على أنه غير بالغ ، وقد دل على ذلك أيضا ما قد ذكرناه فيما تقدم منا في كتابنا هذا من حديث حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في أطم حسان ، فكان يتطأطأ لي ، فأنظر ، وأتطأطأ له فينظر ، فقلت لأبي : إني قد رأيتك تجول حينئذ فقال : يا بني ، لقد كان جمع النبي عليه السلام في ذلك لي أبويه .
ففي ذلك ما قد دل على أنه كان صغيرا ، وقد زعم بعض أهل [ ص: 458 ] العلم بالأنساب أنه من المولودين بأرض الحبشة ، والله أعلم بحقيقة ذلك .
فقال قائل : وأي عقد يجوز من الصبي ، وهو ممن لا أمر له في ذلك في نفسه ، فهو بأن لا يكون له أمر في غيره أولى ، وهو مما يحتج به من ذهب إلى معنى قول الشافعي في هذا المعنى .
وجوابنا له في ذلك : أن ما كان من أمور الصبيان ، فلم يجعل كلها كلا أمور ، وكيف يكون ذلك كذلك ، والمحتج علينا بهذه العلة ممن يخير الصبي إذا بلغ سبع سنين ، وأمه مطلقة بين أبيه وأمه ، ويروى في ذلك ما روي مما تقدمت روايتنا له فيما تقدم من كتابنا هذا ، ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم له الخيار إلا ولاختياره حكم . وفي هذا ما قد أجمع المسلمون عليه في الصبي إذا كانت عليه يد ، وهو ممن لا يعبر عن نفسه ، فقال ذو اليد عليه : هو عبدي ، ثم بلغ الصبي ، فرفع ذلك ؛ أن رفعه إياه كلا رفع ، وأنه عبده ، وأنه لو كان يعبر عن نفسه إلا أنه غير بالغ ، فدفع ذلك عن نفسه ، وادعى لها الحرية أن القول قوله . ولقد قال مالك بن أنس في وصية اليفاع الذي لم يبلغ : إنها جائزة ، وروى في ذلك ما قد رواه فيه ، ولم يجعلها كلا وصية لتقصيره عن البلوغ .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر عبد الله بن جعفر ما قد وكد ما قد ذهبنا إليه .
5756 - كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثني نصر بن علي ، حدثنا عبد الله بن داود ، عن فطر - يعني ابن خليفة - ، قال : سمعت [ ص: 459 ] أبي يحدث ، قال : سمعت عمرو بن حريث يحدث ، قال : انطلقت مع أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخط لي دارا بقوس ، قال : ومر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بعض ما يبيع الغلمان ، فقال : بارك الله لك في صفقتك ، أو في صفقة يمينك .
[ ص: 460 ] وهذا قد يحتمل أنه كان بيعه بإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ، وفيما قد ذكرنا ما قد دل على أن الصفقة لو كانت لا تكون منه لصغره حتى يبلغ ، فكان في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالبركة في صفقة يمينه ذكر ذلك إذا بلغ ، وفي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ما قد دل على أن له صفقة وإن لم يبلغ ، بإطلاق من إليه الولاية عليه له ذلك ، فقد ثبت بما ذكرنا جواز عقود الصبيان الذين يعقلون بأمور من إليه الولاية عليهم ، وإطلاق العقود فيما عقدوه فيه على من عقدوها عليه من مالكيها ، وأن القول في ذلك كما ذكرنا عن مجيزي ذلك ، لا على ما ذكرناه عن مخالفيهم فيه ، والله أعلم .


