[ ص: 408 ] 537 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رخصته للمحرم أن يضمد عينيه بالصبر إذا اشتكاهما
3346 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أيوب بن موسى ، عن نبيه بن وهب ، عن أبان بن عثمان ، أنه حدثه ، عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص أو قال : إذا اشتكى المحرم عينيه أن يضمدهما بالصبر .
[ ص: 409 ] فتأملنا هذا الحديث لنقف على الرخصة المذكورة فيه ما هي .
فوجدنا التضميد : تغطية ما يضمد به ، وكان الصبر في نفسه غير طيب ، فعقلنا بذلك أن الرخصة لم تكن للصبر في نفسه ، وإنما كانت لغيره من الضماد الذي يضمد به ، فيكون ذلك تغطية لوجه المحرم أو لما يغطى به من وجهه ؛ لأنه لو لم يكن كذلك لم يقل له ضماد ولقيل له : دمام .
فقال قائل : فكيف يكون ما ذكرت كما وصفت وقد روي عن عثمان رضي الله عنه ما يدفع ذلك . ؟
فذكر ما قد حدثنا يونس وعيسى بن إبراهيم ، قالا : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، قال : رأيت عثمان رضي الله عنه بالعرج مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان وهو محرم .
[ ص: 410 ]
وما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد أنه قال : أخبرني الفرافصة بن عمير الحنفي ، أنه رأى عثمان بالعرج ، ثم ذكر مثله .
قال : ففي هذا الحديث ما قد دل أن عثمان كان لا يرى بتغطية الوجه في الإحرام بأسا ، فدل ذلك أن الرخصة التي في الحديث الأول لم تكن لما ذكرت .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك لضرورة دعته إليه ، وأنه يكفر مع ذلك ، كما روي عن عبد الله بن عباس في مثله
مما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن أبي الزبير ، عن [ ص: 411 ] أبي معبد - مولى ابن عباس - أن ابن عباس ، قال له : يا أبا معبد رد علي طيلساني ، وهو محرم ، قال : قلت : كنت تنهى عن هذا ! قال : إني أريد أن أفتدي .
فاحتمل أن يكون عثمان لو سئل عن ما فعل من ذلك لأخبر أنه فعله ليفتدي ، وفيما ذكرنا ما قد بان به أن تغطية الوجه في الإحرام حرام على المحرم ، وقد روي هذا القول عن عبد الله بن عمر .
كما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره ( ح ) ، وكما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ما فوق الذقن من الرأس ، فلا يخمره المحرم .
فهذا عبد الله بن عمر قد كان يذهب إلى هذا القول أيضا ، والقياس يوجبه ؛ لأن المرأة أوسع أمرا في الإحرام من الرجل ؛ لأنها تلبس القميص ، وتغطي رأسها في إحرامها ، والرجل ليس كذلك ؛ لأنه لا يغطي رأسه في إحرامه ولا يلبس القميص فيه ، وإذا كانت المرأة مع سعة أمرها في الإحرام لا تغطي وجهها فيه كان الرجل بذلك أولى ، وهكذا كان يقول أبو حنيفة ومالك بن أنس في ذلك ، والله نسأله التوفيق .


