[ ص: 7 ]  548 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان أسره هل لمن كان أسره إليه أن يبديه في حياته أو بعد وفاته ؟ 
قد روينا فيما تقدم منا في كتابنا هذا حديث مسروق  ، عن  عائشة  رضي الله عنها في اجتماع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومجيء فاطمة  ابنته عليها السلام إليه عند ذلك ، وسراره إياها بما سارها به حتى بكت ، وسراره إياها بعد ذلك بما سارها به حتى ضحكت ، وسؤال  عائشة  إياها عن ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإبائها عليها أن تخبرها بذلك ، وقولها عند ذلك : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي قالت لها  عائشة   : عزمت عليك بما لي عليك من حق لما أخبرتني - تعني : ما كان صلى الله عليه وسلم أسره إليها - وقولها لها : أما الآن فنعم ، إنه لما سارني في المرة الأولى قال : إن جبريل  صلى الله عليه وسلم كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة ، وإنه عارضني الآن مرتين ، وإني لا أظن أجلي إلا قد حضر ، فاتقي الله فنعم السلف لك أنا ; فبكيت بكائي الذي رأيت ، ثم سارني الثانية ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء  [ ص: 8 ] هذه الأمة ، أو نساء المؤمنين فضحكت . 
قال ففي هذا الحديث كتمانها سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها بما كان أسر به إليها في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإخبارها به بعد وفاته . 
فقال قائل : فكيف جاز لكم أن ترووا هذا عنها عليها السلام ، وقد رويتم عن غيرها ما يخالف ذلك ؟ 
 3381  - فذكر ما قد حدثنا فهد بن سليمان  ، قال : حدثنا  موسى بن إسماعيل  ، قال : حدثنا  سليمان بن المغيرة  ، عن  ثابت  قال : حدثنا  أنس  ، قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، حتى إذا رأيتني قد فرغت من خدمته ، قلت : يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت من عنده ، فإذا غلمة يلعبون ، فقمت أنظر إلى لعبهم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغلمة ، فسلم عليهم ، ثم دعاني فبعثني إلى حاجته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه - يعني - ينتظرني حتى آتيه ، فأبطأت على أمي الحين الذي كنت آتيها ، فقالت : ما حبسك ؟ قلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى حاجة . قالت : ما هي ؟ قلت : إنه سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت أمي : احفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره . فما حدثت بتلك الحاجة أحدا من الناس ، لو كنت محدثا بها أحدا كنت محدثك بها   . 
 [ ص: 9 ] 
 3382  - وما قد حدثنا  بكار بن قتيبة   وإبراهيم بن مرزوق  قالا : حدثنا  عبد الله بن بكر السهمي  ، قال : حدثنا  حميد  ، عن  أنس  رضي الله عنه قال : كنت في غلمان ، فأتى علينا النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم علينا ، ثم أخذ بيدي ، فبعثني في حاجة له وقعد في الجدار أو في ظل الجدار حتى رجعت إليه ، فلما أتيت  أم سليم  قالت : ما حبسك ؟ قلت : أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة . قالت : ما هي ؟ قلت : إنها سر . قالت : فاحفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فما أخبرت بها أحدا بعد   . 
 3383  - وما قد حدثنا  الربيع بن سليمان المرادي  ، قال : حدثنا  أسد بن موسى  ، قال : حدثنا  مهدي بن ميمون  ، قال : حدثنا محمد بن  [ ص: 10 ] عبد الله بن أبي يعقوب  ، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي  ، عن  عبد الله بن جعفر  قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، ثم أسر إلي حديثا ، لا أحدث به أحدا من الناس   . 
 3384  - حدثنا  يزيد بن سنان  ، قال : حدثنا  نعيم بن حماد  ، قال : حدثنا  ابن المبارك  ، قال : أخبرنا  معمر  ، عن  الزهري  ، عن  سالم  ، عن  ابن عمر  ، أن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه حين تأيمت  حفصة  من زوجها ، وكان قد شهد بدرا وتوفي بالمدينة  ، قال عمر   : فلقيت  عثمان بن عفان  رضي الله عنه ، فعرضت عليه  حفصة  ، فقال : سأنظر في ذلك ، فلبث ليالي ، ثم لقيني ، فقال : قد بدا لي أن لا  [ ص: 11 ] أتزوج يومي هذا ، فلقيت أبا بكر  رضي الله عنه ، فعرضتها عليه ، فصمت أبو بكر  ، ولم يرجع إلي شيئا ، فكنت عليه أوجد مني على عثمان  ، فلبثت ليالي ، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر  ، فقال : لعلك وجدت علي حين عرضت علي  حفصة  ، فلم أرجع إليك شيئا ؟ قلت : نعم . قال : إنه لم يمنعني أن أرجع إلا أني علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها   . 
 3385  - وما قد حدثنا  يونس  ، قال : حدثنا سلامة بن روح  ، قال : حدثنا  عقيل بن خالد  ، عن  ابن شهاب  ، قال : أخبرني  سالم بن عبد الله  أنه سمع  عبد الله بن عمر  يحدث أن  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه حين تأيمت  حفصة ابنة عمر  من خنيس بن حذافة السهمي  ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا ، قال عمر   : لقيت عثمان   ،  [ ص: 12 ] ثم ذكر بقية الحديث . 
قال  أبو جعفر   : قال هذا القائل : وإذا كان عبد الله بن جعفر  وأنس بن مالك  قد كتما سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وأخبرا أنهما لا يحدثان به أحدا أبدا ، فمن أين جاز لغيرهما ممن ذكرتموه في هذه الآثار إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال من الأحوال ، وقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوجب ذلك . 
 3386  - فذكر ما قد حدثنا  يونس  ، قال : حدثنا  ابن وهب  ، قال : حدثني  ابن أبي ذئب  ، عن عبد الرحمن بن عطاء  ، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك  ، عن  جابر بن عبد الله  رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حدث الرجل حديثا ، فالتفت ، فهي أمانة   . 
 [ ص: 13 ] 
 3387  - وما قد حدثنا  يزيد بن سنان  ، قال : حدثنا  القعنبي  ، قال : حدثنا  ابن أبي ذئب  ، ثم ذكر بإسناده مثله . 
 3388  - وما قد حدثنا  يزيد  ، قال : حدثنا  سعيد بن أبي مريم  ، قال : أخبرنا  سليمان بن بلال  ، قال : حدثني عبد الرحمن بن عطاء ابن ابنة أبي لبيبة  ، أن عبد الملك بن جابر بن عتيك  أخبره ، أن  جابر بن عبد الله  أخبره ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا  [ ص: 14 ] حدث الإنسان حديثا ، فرأى المحدث المحدث يلتفت حوله ، فهي أمانة   . 
قال هذا القائل : فهذا الحديث قد أخبر بالمنع من إفشاء السر في حياة صاحبه وبعد وفاته . 
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الذي كان من فاطمة  مما أسرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وحدثت به بعد  [ ص: 15 ] وفاته كان ذلك منها لما ظهر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسره إليها ، فجاز لها بذلك لما خرج عن السر إلى ضده أن تحدث به عنه ، وإن الذي كان من أبي بكر  رضي الله عنه فيما كان مما اعتذر به إلى عمر  كان كذلك ; لأنه ظهر فصار غير سر فانطلق له أن يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وأما ما رويناه عن عبد الله بن جعفر  ، وعن  أنس بن مالك  فقد يجوز أن يكون في شيء لم يظهر ، ففعلا ما هو مفروض عليهما من كتمانه ، وكان أولى من ذلك كله ما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث  جابر بن عبد الله   : إذا حدث الرجل حديثا ، فالتفت ، فهي أمانة ; أي : إنها أمانة ائتمن عليها المحدث ، فلم يجز له أن يخفر أمانته ، ويفشي سره ; لأنه عسى أن يكون في ذلك ذهاب دمه ، أو ما سواه مما يفسد أحواله عليه ، فخرج بحمد الله ما روينا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقا لما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					