[ ص: 246 ]  830 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يدل على حكم من دعي إلى وليمة قد أمر بالإجابة إليها إذا علم أن هناك لهوا لا يصلح حضوره في غيرها ، هل فرض الإجابة عليه كما لو لم يكن ذلك أو قد سقط عنه ؟ 
 5236  - حدثنا نصر بن مرزوق  ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح  ، قال : حدثنا  وهيب بن خالد  ، عن  أبي حازم  ، عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  ، عن  عائشة  زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن جبريل  احتبس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاه ، فقال : ما حبسك " قال : جرو في بيتك . فنظروا ، فإذا جرو تحت السرير ، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخرج   . 
وقد ذكرنا في غير هذا الباب من هذه الآثار فيما تقدم منا في كتابنا هذا غير هذا الحديث مما فيه تقدم وعد جبريل  النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيه في ساعة ، فأبطأ عليه فيها ، ثم كان منه الكلام المذكور في هذا الحديث . 
 [ ص: 247 ] وكان وعد جبريل  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدا مطلقا لا ثنيا فيه ، فرفع عنه الوفاء به منع الشريعة إياه من دخول بيت فيه ما كان في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها . 
ومثل ذلك من الفقه ما قد اختلف أهل العلم فيه في الرجل يدعى إلى الوليمة التي أمر بإتيانها والجلوس لها ، فيأتيها ، فيجد عندها لهوا لو وجده في غيرها : فقال بعضهم لا يضره الجلوس فيها ; لأنه جلوس لما قد أمر به ، وإن كان يعلم حين دعي إليها أن ذلك فيها : أنه لا يمتنع من حضورها ، إذ كانت ما قد أمر به أمرا لم يقع فيه ثنيا ، وممن قال ذلك :  أبو حنيفة  ، وأبو يوسف   . 
كما حدثنا محمد بن العباس  ، قال : حدثنا  علي بن معبد  ، عن محمد بن الحسن  ، عن  يعقوب  ، عن  أبي حنيفة  بذلك . 
ولم يحك بين محمد  وبينهما خلافا . وقد روي عن محمد  خلاف ذلك ، وأنه لا يسع الذي دعي إلى ذلك الإجابة إليه ، ولا القعود عنده . 
وكان هذا القول أولى القولين عندنا ; لأن الذي أمر به فيه إنما هو لاتباع السنة ، والسنة تنهى عن مثل هذا ، فالنهي الذي فيها مستثنى من الأمر الذي أمر به فيها ، وإن لم يستثن باللسان وقد احتج غيرنا في ذلك بحجة زادها علينا في هذا الباب وهي 
 5237  - ما قد حدثنا  أبو أمية  ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر  [ ص: 248 ] الرقي  وعمرو بن عثمان الرقي  بنحوه ، قال : حدثنا أبو المليح -  هكذا قال عبد الله  في حديثه ، وفي حديث عمرو   : عن أبي المليح  ، عن  ميمون بن مهران  ، عن  نافع  ، قال : كنت مع  ابن عمر  ، فسمع صوت زمارة راع ، فقال هكذا ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل عن الطريق ، ثم قال : هل تسمع شيئا ؟ فقلت : ما أسمع شيئا . ثم قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا   . 
 [ ص: 249 ] فقال هذا القائل : هذا الحديث يدخل في هذا المعنى ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع من أن يدخل في أذنه شيء من ذلك الصوت المكروه ، وإن كان في طريق لهم الاجتياز بها والسلوك فيها ، فكان في مثل ذلك القعود لما قد دعي له الرجل الذي قد ذكرنا قعودا مباحا طرأ عليه أمر مكروه ، فلا يسعه القعود المباح عند سماعه ما قد نهي عن سماعه في غير ذلك الموطن ، ولم يكن هذا عندنا بداخل في هذا الباب ، ولا من شكله ; لأن الذي في هذا الباب هو المرور في طريق ليس المرور فيها بفرض ، وإنما يمر فيه من يمر على الاختيار ، لا على غير ذلك ، فكان ما يفعله اختيارا لا يصلح له أن يخالطه فيه ما قد نهي عنه . 
وفي المعنى الآخر كان حضوره لفروض عليه ، فكان ما طرأ عليه قد يحتمل أن يكون رفع فرضه عنه ، ويحتمل أن لا يجوز برفع فرضه عنه ، وكان الذي دل على رفع فرضه عنه هو ما في الحديث الأول الذي ذكرناه ، لا ما في هذا الحديث ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					