[ ص: 113 ] 877 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ما روي عن أصحابه بعده في الصلاة بعد أذان المغرب من إباحة ومن نهي
5493 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، وعثمان بن عمر بن فارس ، قالا : حدثنا كهمس بن الحسن - قال يزيد بن هارون في حديثه : والجريري - عن عبد الله بن بريدة ، عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة ، بين كل أذانين صلاة لمن شاء .
[ ص: 114 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن بين كل أذانين صلاة لمن شاء ، فاستدل بذلك قوم على إباحة الصلاة بين أذان المغرب وبين إقامتها ، فتأملنا ما في هذا الحديث هل فيه دليل على ما قالوا أم لا ؟ فوجدنا الذي فيه إنما هو بين كل أذانين صلاة وليس فيه بين كل أذان وإقامة صلاة ، فكان ذلك موجودا في التأذين للصلوات كلها ، لأن بين الأذان للصبح وبين الأذان للظهر صلاة ، وهي ركعتا الفجر وما يتطوع به من شاء بعد حل الصلاة بين طلوع الشمس وبين أذان الظهر ، وبين أذان الظهر وبين أذان العصر صلاة لمن شاء ، وبين أذان العصر وبين أذان المغرب صلاة قبل صلاة العصر من بعد الأذان لها ، وبين الأذان للمغرب وبين الأذان للعشاء صلاة لمن شاء أن يتطوع [ ص: 115 ] بينهما ، فهذا ظاهر هذا الحديث ومن ادعى باطنا كان عليه إقامة الدليل عليه ، ثم قد وجدنا الحسين المعلم قد روى هذا الحديث عن ابن بريدة بخلاف ما رواه عليه عنه كهمس ، والجريري .
5494 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري ، حدثنا عبد الوارث وهو ابن سعيد التنوري ، عن حسين - وهو المعلم - عن ابن بريدة ، حدثنا عبد الله المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين ، ثم قال : صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين ، ثم قال عند الثالثة : لمن شاء ، كراهة أن يحسبها الناس سنة فكان في ذلك قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأمر بصلاة ركعتين بعد أذان المغرب ، ثم قد وجدنا حيان بن عبيد الله - أبا زهير - وهو رجل محمود في [ ص: 116 ] روايته ، قد روى هذا الحديث عن ابن بريدة فخالف كهمسا ، والجريري ، والحسين المعلم فيما رووه عليه عنه .
5495 - كما حدثنا الحسن بن غليب بن سعيد الأزدي ، حدثنا عبد الغفار بن داود الحراني أبو صالح ، حدثنا حيان بن عبيد الله ، حدثني عبد الله بن بريدة الأسلمي ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عند كل صلاة ركعتين ما خلا صلاة المغرب .
[ ص: 117 ] فخالف حيان كهمسا ، والجريري ، والحسين في إسناد هذا الحديث ، فذكره بما يعود به إلى بريدة ، وخالفهم في متنه على ما قد ذكرناه من خلافه إياهم فيهما ، ولم يخل حديث حيان هذا من أحد وجهين : إما أن يكون بين الصلاة المأمور بها في الحديثين الأولين ، فيكون ما فيه تبيان تلك الصلاة ، أي صلاة هي ، وهي سوى صلاة المغرب ، أو يكون غير ذلك الحديث ، فيكون فيه المنع مما قد أمر به في ذلك الحديث ، وإذا اجتمع الأمر والنهي ، كان النهي أولى من الأمر ، أو يكون كان ناسخا لما فيها ، فيكون الناسخ أولى من المنسوخ . ففي هذه الآثار لما جمعت وكشفت معانيها : النهي عن الصلاة بعد أذان المغرب لا الإطلاق لذلك . فإن قال قائل : فقد روي عن أنس بن مالك في ذلك .
5496 - فذكر ما قد حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، عن منصور بن أبي الأسود ، حدثنا المختار بن فلفل ، عن أنس ، قال : كنا نصلي الركعتين قبل المغرب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأنس : أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، رآنا فلم [ ص: 118 ] يأمرنا ، ولم ينهنا .
5497 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن مصعب بن سليم ، قال : رأيت أنس بن مالك يصلي ركعتين إذا وجبت الشمس قبل المغرب ، قلت له : أصلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قلت : فأمركم بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يرى من يصليهما فلا ينهاه . قال : ففي هذين الحديثين رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد كان [ ص: 119 ] يصليهما ، وتركه النهي له عن ذلك .
فكان جوابنا له في ذلك أنه قد يحتمل أن يكونا كانتا مما قد كان لهم أن يفعلوه حتى نسخ ذلك بما في حديث حيان ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : وقد روي عن أنس في ذلك أيضا .
5498 - فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، أنبأني يعلى بن عطاء ، قال : سمعت أبا فزارة يحدث ، عن أنس ، قال : كنا نصلي الركعتين قبل المغرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
5499 - وما قد حدثنا بكار ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن عمرو بن عامر الأنصاري ، قال : سمعت أنسا يقول : كان إذا نودي للمغرب ، قام كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري يصلون الركعتين [ ص: 120 ] .
5500 - وما قد حدثنا الحسين بن نصر ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن شعبة ، عن علي بن زيد ، قال : سمعت أنسا ، يقول : إن كان المؤذن ليؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنرى أنها الإقامة من كثرة من يقوم ، فيصلي الركعتين قبل المغرب .
5501 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري ليصلوا بما خلفها ركعتين قبل المغرب . [ ص: 121 ] قال أبو جعفر : فالكلام في هذا كالكلام فيما قبله . فإن قال قائل : فقد روي في ذلك عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلونهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فذكر ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر أن أبي بن كعب ، وعبد الرحمن بن عوف كانا يصليان قبل المغرب ركعتين ركعتين . فكان جوابنا له في ذلك : أنه قد يحتمل أن يكون هؤلاء لم يعلموا بالنسخ الذي علمه بريدة فثبتوا على ما كانوا علموه من المنسوخ ، وكان من علم شيئا سواهم في ذلك أولى بما علمه فيه ممن قصر عنه ، فإن قال : فهل يجوز أن يسقط علم مثل هذا عن هؤلاء الجلة في هذا ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أن هذا مما يمكن أن يكون سقط عن هؤلاء مع جلالتهم كما سقط عن عبد الله بن مسعود على جلالته نسخ التطبيق في الصلاة حتى ثبت عليه إلى أن مات ، وكما سقط عن علي رضي الله عنه ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما إباحة لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، وثبوتهما على الأمر الأول في ذلك ، وسنأتي بذلك ، وبما روي عنهم فيه فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى . [ ص: 122 ] وقد توهم بعض الناس أنه قد روي عن علي وقوفه على النسخ في ذلك بالحديث الذي رواه عنه النابغة بن مخارق ، وليس ذلك عندنا بشيء ؛ لأنه إنما يدور على علي بن زيد بن جدعان ، عن ربيعة بن النابغة ، عن أبيه ، وربيعة وأبوه مجهولان لا يعرفان من أهل الرواية ، والصحيح عن علي في ذلك ما خطب به لما صلى بالناس وعثمان محصور ، فأمرهم بهذا ونهى أن يأكلوا من أضاحيهم فوق ثلاثة أيام ، ومثل هذا كثير يجزئ ما جئنا به منه عن بقيته ، ولقد روي عن سعيد بن المسيب على كثرة من رأى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى لزومه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى جلالته في العلم ، وعظم مقداره فيه ما يخالف ما في الآثار المذكورة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة .
كما حدثنا هارون بن كامل ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : إن أبا سعيد الخدري كان يصلي الركعتين قبل المغرب . فقال : كان ينهى عنهما ، ولم أدرك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما غير سعد بن مالك رضي الله عنه ، وكان في هذا : أن من رآه ممن لم يكن يصليهما في ذلك هو الأكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العدد ، وأن الذي رآه كان يصليهما منهم هو سعد ، وقد يحتمل أن يكون النهي في ذلك قصر عنه ، فكان من وقف عليه سواه أولى بما وقف عليه منه فيما قصر عنه . [ ص: 123 ] وقد روي عن إبراهيم في ذلك ، وموضعه في العلم موضعه ، وخبرته بأصحاب عبد الله خبرته .
ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، قال : الركعتان قبل المغرب بدعة .
5502 - وما قد حدثنا أحمد بن داود ، حدثنا إسماعيل بن سالم ، حدثنا محمد بن الحسن ، أخبرنا أبو حنيفة ، عن حماد ، قال : سألت إبراهيم عن الصلاة قبل المغرب فنهاني عنها ، وقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما لم يصلوها . قال محمد : وبه نأخذ ، ولم يذكر في ذلك عن أبي حنيفة ، ولا عن أبي يوسف خلافا له فيه ، فكان العمل بعد ذلك في المساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى على ترك ذلك ، وفقهاء الأمصار أيضا على مثل ذلك ، والخروج عن مثل هذا إلى ما سواه لا خفاء به عن ذوي العلم ، والله نسأله التوفيق .


