[ ص: 256 ] 896 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لنسائه بعد حجة الوداع : هذه الحجة ، ثم ظهور الحصر .
5603 - حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لنسائه : هذه الحجة ، ثم عليكم بظهور الحصر ، وكن يحججن غير زينب بنت جحش ، وسودة ابنة زمعة تقولان : لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 257 ] .
5604 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، ويوسف بن يزيد ، قالا : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن واقد بن أبي واقد الليثي ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع : هذه حجة الإسلام ، ثم ظهور الحصر .
[ ص: 258 ] فقال قائل : ففي هذين الحديثين من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه بعد أن حججن معه حجة الوداع ، فكن - غير زينت وسودة - يحججن مع خلفائه الراشدين المهديين ، وأصحابه سواهم بغير إنكار منهم ذلك عليهن ، وبغير منع منهم إياهن كذلك ، غير زينب وسودة فإنهما كانتا متخلفتين عن ذلك ، وتحاجان من كان بخلافهما فيه منهن بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي في هذين الحديثين قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما ، وهو الذي كان عليهن لزومه ، وترك الخروج منه إلى غيره حتى روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لعائشة لما سألته [ ص: 259 ] أن يجاهدن معه - تعني نفسها ومن سواها من نسائه ومن غيرهن - .
5605 - كما قد حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني ، حدثنا عبيدة ، عن معاوية بن إسحاق ، عن عمته عائشة ابنة طلحة ، عن خالتها عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جهاد النساء حج هذا البيت .
فكان بعض أهل العلم يزعم أن عبيدة المذكور في إسناد هذا الحديث هو عبيدة بن حميد ، فيزعم غيره منهم أنه عبيدة بن أبي رائطة .
5606 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن سفيان ، عن معاوية بن إسحاق ، عن عائشة بنت طلحة [ ص: 260 ] ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهاد ، واستأذناه في ذلك ، فقال : جهادكن أو حبسكن الحج .
5607 - وكما حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا سوار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن معاوية بن إسحاق ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجهاد ، فقال : حبسكن الحج - أو جهادكن - .
5608 - وكما حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا نبي الله ، ألا نخرج نجاهد معكم ، فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل منه ؟ قال : لا [ ص: 261 ] ولكن أحسن الجهاد وأكمله حج البيت ، حج مبرور .
5609 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا يزيد بن عطاء ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن عائشة ابنة طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا نخرج فنجاهد معكم ؟ قال : لا ، جهادكن الحج المبرور ، [ ص: 262 ] فهو لكن جهاد .
وكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في استئذانها إياه لها ولمن سواها للخروج معه في الجهاد ما ذكر من جوابه إياها في هذا الحديث ، فكان ذلك دليلا على أن جهادهن لا ينقطع كما لا ينقطع جهاد الرجال ، فاحتمل أن يكون ذلك بعد قوله صلى الله عليه وسلم لها ولسائر نسائه سواها ما قاله لهن في الحديثين الأولين ، فوقفت على ذلك هي ومن سواها من أزواجه على ذلك دون من لم تقف عليه ولم يقف على ذلك منهن زينب ، ولا سودة فلزمتا ما في الحديثين الأولين ، وكلهن رضوان الله عليهن أجمعين على ما ذكر عليه من ذلك محمودات ، وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي عن أصحابه ، وسائر الصحابة في تركهم الخلاف عليهن في ذلك وفي إطلاقهم إياه لهن محمودون بعلمهم ما علموا [ ص: 263 ] من ذلك ، ولا يجب أن يحمل تأويل هذه الأحاديث إلا على ما حملناها عليه ، لأن في ذلك السلامة وحسن الظن بخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، وأصحابه ، وفيما سواه ضد ذلك مما نعوذ بالله منه .
وقد زعم زاعم أن عائشة رضي الله عنها إنما كان تركها لتقصر الصلاة في أسفارها بعد النبي صلى الله عليه وسلم لما كان من قوله لهن في الحديثين الأولين ، وتعلق بشيء في ذلك رواه فيه عبد العزيز بن محمد .
5610 - كما حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن جبلة بن أبي رواد ، عن عمه ، قال للقاسم بن محمد : ما بال عائشة كانت تتم في السفر ؟ قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هذه ، ثم ظهور الحصر ، وكان هذا التأويل عندنا فاسدا إذ كانت عائشة أعلم بالله عز وجل وبأحكامه من أن تفعل هذا الفعل - أعني السفر - على الخلاف منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتترك من أجله تقصير الصلاة في أسفارها ، لأنها كانت لا ترى التقصير واجبا على أحد ، فكانت لا تقصر لذلك .
كما حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا محمد بن سعيد بن [ ص: 264 ] الأصبهاني ، أخبرنا شريك ، وعلي بن مسهر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها كانت لا تقصر في السفر ولا تراه واجبا على أحد ، فكان تركها التقصير في السفر لذلك ، لا لما سواه ، والله أعلم .


