[ ص: 329 ]  982 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أجاب به زيد بن أرقم  ، والبراء بن عازب الأنصاريين  ، فيما كانا سألاه عنه من ابتياعهما شيئا بنسيئة ، وشيئا بنقد ، وكلاهما مما لا يصلح فيه النساء ، وقوله لهما : ما كان يدا بيد فخذوه ، وما كان نسيئة فردوه . 
 6058  - حدثنا  أبو أمية  ، حدثنا  هشام بن عمار  ، حدثنا صدقة بن خالد  ، حدثنا  عثمان بن الأسود  قال : سمعت سليمان بن أبي مسلم الأحول  قال : 
سألت أبا المنهال  عن الصرف ، فقال : اشتريت أنا وشريك لي شيئا يدا بيد ، وشيئا بنسيئة ، فذكرنا ذلك  للبراء بن عازب  قال : فعلته أنا وشريكي زيد بن أرقم  ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما كان يدا بيد فخذوه ، وما كان نسيئة فردوه   . 
 [ ص: 330 ] فهذا الحديث يحتج به في مسألة من الفقه يتنازع أهله فيها ، وهي أن الصفقة الواحدة إذا جمعت ما يجوز بيعه وحده ، وما لا يجوز بيعه وحده ، هل يجوز من ذلك ما يجوز بيعه وحده ، ويبطل منه ما لا يجوز بيعه وحده ، أو يبطلان جميعا : البيع في الذي يجوز بيعه وحده منهما ، وفي الذي لا يحوز بيعه وحده منهما ، فكان في هذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكشف من سائليه المذكورين في هذا الحديث عن ذينك الشيئين اللذين سألاه عنهما ، مما يجوز البيع في أحدهما وحده ، ولا يجوز في الآخر وحده ، هل كان شراؤهما إياهما في صفقة أو صفقتين مختلفتين ؟ 
فعقلنا بذلك أن الحكم فيهما كان واحدا ; لأنه لو كانا مختلفين لكشفهما عن حقيقة شرائهما ، هل كان على ما يوجبه الشراء في صفقة واحدة ، أو على ما يوجبه ذلك الشراء في الصفقتين ، ثم لأجابهما بالواجب فيما يقف عليه من ذلك منهما ، ولما لم يكشفهما عن ذلك عقلنا أن الحكم فيهما يكون سواء في ذينك المعنيين ، وأن الشراء يجوز فيما كان من ذلك يدا بيد ، ويبطل في ذلك ما كان من نسيئة ، وأن حكم كل واحد من ذينك الشيئين حكم نفسه لا حكم الشيء الآخر المضموم معه في الصفقة التي جمعتهما جميعا . 
وممن كان يذهب إلى هذا القول :  أبو حنيفة  وأصحابه ، وعبد  [ ص: 331 ] الرحمن بن القاسم  فيما أجاب أسدا في ذلك عن قول مالك  فيه . 
وقد خالفهم في ذلك غيرهم ; منهم :  الشافعي  ، فأبطل البيع في الشيئين ببطلانه في أحدهما . 
ثم التمسنا هذا الحديث من غير رواية سليمان بن أبي مسلم  ، عن أبي المنهال  هل خالفه غيره ممن رواه عنه أم لا . ؟ 
 6059  - فوجدنا  أحمد بن شعيب  قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن الحسن بن الهيثم المصيصي  ، حدثنا  حجاج بن محمد  قال : قال  ابن جريج   : أخبرني  عمرو بن دينار  ، وعامر بن مصعب  أنهما سمعا أبا المنهال  يقول : 
سألت  البراء بن عازب  ،  وزيد بن أرقم  ، فقالا : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصرف ، فقال : إن كان يدا بيد فلا بأس ، وإن كان نسيئة فلا يصلح   . 
 [ ص: 332 ] فكان ما في هذا الحديث من روايتي  عمرو بن دينار  ، وعامر بن مصعب  ، عن أبي المنهال  عن الصرف ، وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأله عنه عن النقد أنه جائز ، وعن النسيئة أنها لا تصلح . 
وكان الحديث الأول فيه هذا المعنى ، وفيه ما ليس في هذا الحديث ، فكان أولى منه ، وعقلنا بذلك أن عمرا  وعامرا  سألا أبا المنهال  عن شيء واحد مما هو عنده مع شيء آخر مجموعين في حديث واحد ، فأجابهما بجواب ما سألاه عنه ، وأمسك عما سواه مما  [ ص: 333 ] هو عنده في ذلك الحديث عن البراء  وزيد بن أرقم  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان حديث سليمان بن أبي مسلم  أولى منه . 
 6060  - وحدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي  ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن  ، حدثنا  سفيان بن عيينة  ، حدثنا  عمرو بن دينار  أنه سمع أبا المنهال  يقول : باع شريك لي دراهم بدراهم ، بينهما فضل ، فقلت : إن هذا لا يصلح ، فقال : لقد بعتها في السوق ، فما عاب علي أحد ، فأتيت  البراء  ، فسألته ، فقال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم وتجارتنا هكذا ، فقال : ما كان يدا بيد فلا بأس ، وما كان نسيئة فلا خير فيه . 
وائت  زيد بن أرقم  ، فإنه كان أعظم تجارة مني ، فأتيته ، فذكرت ذلك له ، فقال : صدق البراء    . 
قال  أبو جعفر   : ففي هذا الحديث تقصير عما في حديث سليمان  ، فحديث أبي المنهال  أولى منه . 
ثم نظرنا هل رواه عن أبي المنهال  غير من ذكرناه . ؟ 
 [ ص: 334 ] 
 6061  - فوجدنا  إبراهيم بن مرزوق  قد حدثنا قال : حدثنا  وهب بن جرير  ، حدثنا  شعبة  ، حدثنا  حبيب بن أبي ثابت  ، حدثني أبو المنهال  قال : 
سألت  البراء بن عازب  ،  وزيد بن أرقم  عن الصرف ، فقالا جميعا : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالورق دينا   . 
 6062  - ووجدنا  ابن أبي داود  قد حدثنا قال : حدثنا  أبو الوليد  ، حدثنا  شعبة  ، أخبرنا  حبيب بن أبي ثابت  قال : سمعت أبا المنهال  يقول : 
سألت  البراء  عن الصرف ، فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الورق بالذهب دينا   . 
فكان في هذا الحديث أيضا طائفة مما في حديث سليمان  ، وثبت أن حديث سليمان  ، عن أبي المنهال  أولى من أحاديث الآخرين عن أبي المنهال  لحفظه ما قصروا عنه . 
ثم التمسنا ذلك من طريق النظر لنقف على ذلك كيف هو فيه ؟ فرأينا البيع قد يقع على شقص من دار واجب الشفعة للشريك في  [ ص: 335 ] الدار الذي هو منها ، وعلى ما سواه من عرض كعبد ، أو أمة ، أو ما سوى ذلك من العروض ، فتكون الشفعة واجبة في ذلك الشقص بحصته من الثمن ، غير واجبة فيما سواه مما لا شفعة فيه ، ثم يعود ما سواه مبيعا بحصته من الثمن ، وذلك مما لا يجوز استئناف البيع أيضا عليه بذلك ، فعقلنا بذلك أن كل واحد من العرضين اللذين تجمعهما الصفقة مضمنا بحكم نفسه لا بحكم صاحبه ، وكذلك رأيناهم أجمعوا في العرضين إذا بيعا في صفقة واحدة بثمن واحد ، والعرضان مما يجمع أنهما إذا هلكا في يد البائع من قبل قبض المبتاع منهما شيئا من المبيع أن عليهما ينتقض البيع ، كصبرتين إحداهما قمح ، والأخرى شعير ، وقع البيع عليهما بكفل مشروط في كل واحدة منهما ، فضاعت إحداهما في يد بائعها قبل قبض مبتاعها إياها منه ، أنها تضيع بحصتها من الثمن ، وتبقى الأخرى مبيعة بحصتها من الثمن ، وذلك مما لا يجوز استئناف البيع عليه كذلك وحده دون صاحبه الذي كان مضمونا معه فيها ، وفي ذلك ما قد دل على ما كان  أبو حنيفة  وأصحابه يقولون في ذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					