الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 244 ] باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستئذان كم هو من مرة .

1578 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، أن بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : كنا في مجلس عند أبي بن كعب فجاء أبو موسى الأشعري مغضبا حتى وقف ، فقال : أنشدكم الله ، هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لك وإلا فارجع } ، فقال أبي : وما ذاك ؟ قال : استأذنت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئته أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت ، فقال : قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل ، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك . قال : استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فقال : والله لأضربن بطنك وظهرك ، أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا ، فقال أبي بن كعب : فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا الذي يجيبك ، قم يا أبا سعيد ، فقمت حتى أتيت عمر رضي الله عنه ، فقلت : قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا .

[ ص: 245 ]

1579 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أسود بن عامر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا الجريري وسعيد - قال أبو جعفر : يعني ابن يزيد الأزدي أبا مسلمة - قالا سمعنا أبا نضرة يحدث ، عن أبي سعيد قال جاء أبو موسى فاستأذن على عمر بن الخطاب واحدة ، ثم استأذن الثانية ثم استأذن الثالثة فلم يأذن له فرجع ، فقال له عمر بن الخطاب : لتأتيني على ما قلت ببينة أو لأفعلن بك ، قال : فأتى الأنصار ، فقال : ألستم تعلمون ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع } ، فقالوا : لا يشهد لك إلا أصغرنا . قال أبو سعيد :فأتيته فحدثته .

1580 - وحدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن خيران البغدادي ، قال : أخبرنا شعبة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وزاد : [ ص: 246 ] فحدثته وإن قميصه ليصيب رأسي .

1581 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، أن أبا موسى استأذن على عمر رضي الله عنه وكان مشغولا ببعض الأمر فلما فرغ قال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ؟ قالوا : رجع . قال ردوه فجاء ، فقال : ما هذا ؟ قال كنا نؤمر بهذا في الاستئذان ثلاثا . قال لتأتيني على هذا ببينة أو لأفعلن ولأفعلن . قال : فجاء إلى مجلس الأنصار فأخبرهم ، فقالوا : لا يقوم معك إلا أصغرنا ، فقام معه أبو سعيد الخدري ، فجاء فقال : نعم ، فقال عمر : أخفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وشغلني التسويف بالأسواق ؟

قال إبراهيم : وجدت على ظهر كتابي : وشغلني التصفيق بالأسواق .

[ ص: 247 ] قال أبو جعفر : وهذا عندنا غير مخالف لحديث أنس بن مالك من ذكر السلام الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب ، والذي في حديث أنس بن مالك ، فقد كان من أبي موسى قبل استئذانه ، وترك نقل ذلك رواة هذه الآثار لعلمهم بأن من السنة أن يبدأ بالسلام قبل الاستئذان ، والدليل على ذلك .

1582 - أن فهد بن سليمان حدثنا ، قال : حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن طلحة بن يحيى القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : جئت باب عمر رضي الله عنه فقلت : السلام عليكم ، أيدخل عبد الله بن قيس ؟ فلم يؤذن لي ، فقلت : السلام عليكم ، أيدخل عبد الله بن قيس ؟ فلم يؤذن لي فرجعت ، فانتبه عمر رضي الله عنه ، فقال : علي أبا موسى فأتى ، فقال : أنى ذهبت ؟ فقلت استأذنت ثلاثا ، فلم يؤذن لي فرجعت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ليستأذن الرجل المسلم على أخيه ثلاثا فإن أذن له وإلا رجع } . قال : لتجئني على ما قلت بشاهد ، أو لينالنك مني عقوبة . قال : فخرجت فلقيت أبي بن كعب فأخبرته ، فقال : نعم فجاء فأخبره ، فقال له عمر رضي الله عنه : يا أبا الطفيل سمعت ما قال أبو موسى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم ، وأعوذ بالله عز وجل أن تكون عذابا [ ص: 248 ] على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : وأعوذ بالله من ذلك .

قال أبو جعفر : فدل ما ذكرنا ، أن أبا موسى قد كان ابتدأ بالسلام قبل الاستئذان ونحن نحيط علما ، أن أبا موسى لم يفعل ذلك رأيا ولا استنباطا ، ولكنه فعله توقيفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه عليه ؛ لأن مثل هذا لا يؤخذ من جهة الرأي ولا استنباطا وإنما يؤخذ من جهة التوقيف ، والتوقيف فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد وقد قال الله عز وجل في كتابه : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها والاستئناس هاهنا هو الاستئذان كذلك ، هو في لغة أهل اليمن موجود فيها إلى الآن ، وقد ذكر ذلك الفراء ، فقال : تقول العرب : استأنس فانظر هل ترى في الدار أحدا ، بمعنى : استأذن هل ترى في الدار أحدا .

فقال قائل : ففي الآية التي تلونا تقديم الاستئناس على السلام وفي حديث أبي موسى تقديم السلام على الاستئذان .

[ ص: 249 ] فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن الذي في الآية التي تلونا عندهم على التقديم والتأخير كمثل ما في قوله عز وجل : من بعد وصية يوصي بها أو دين على التقديم والتأخير ، وكمثل ما في قوله عز وجل يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين على التقديم والتأخير ؛ لأن الركوع في الصلوات قبل السجود فيها .

وقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث { كلدة لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغير إذن ، فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم اخرج أو ارجع ، ثم قل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ } وفي ذلك دليل على ما ذكرنا والله أعلم .

وقد روي ، عن عبد الله بن عباس في الاستئناس .

ما قد حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، قال : حدثنا سفيان ، عن شعبة ، عن جعفر بن إياس ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله عز وجل لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها قال : أخطأ الكاتب إنما هو حتى تستأذنوا .

[ ص: 250 ] وما قد حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : حدثنا شعبة ، ثم ذكر بإسناده نحوه .

وما قد حدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قال : [ ص: 251 ] حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الاستئناس هو الاستئذان وهو فيما أحسب أخطأت يد الكاتب .

والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية