الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 443 ] 354 - باب بيان مشكل ما روي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه من قال له لما قال في الأذان ما قال : تركتنا ونحن نتقاتل على الأذان ما أجابه به عنه

2199 - حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين ، فقالوا : يا رسول الله تركتنا ونحن نتنافس على الأذان ، قال : كلا ، إن بعدكم زمانا يكون مؤذنوكم فيه سفلكم .

قال أبو جعفر : فكان هذا عندنا والله أعلم على أن الأذان منزلة [ ص: 444 ] شريفة قد كانت تجب على الأشراف أن يكونوا أهلها فأخبر صلى الله عليه وسلم بما أخبر به بمعنى أنهم يتركونها حتى يقوم بها من هو أسفل منهم فيعود شريفا وتعلو مرتبته مراتبهم .

كمثل ما قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

مما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن شبيل بن عوف ، قال :

قال عمر : من مؤذنوكم اليوم ؟ قالوا : موالينا وعبيدنا ، قال : إن ذلك بكم لنقص كثير ، وما قد روي فيما يدخل في هذا الباب .

وهو ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن بيان البجلي ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : قال عمر : لو أطقت الأذان مع الخليفى لأذنت ، وهذا كمثل ما في حديث أبي هريرة من قوله : تقربوا يا بني [ ص: 445 ] فروخ فإن العرب قد أعرضت أي عن العلم ، وسنذكر ذلك فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله ، ومثل ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل القرآن من رفعة الله عز وجل إياهم به ، ومن ضعته سواهم بتركه .

كما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو داود وأبو عامر قالا : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، قال : حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي

أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل نافع بن عبد الحارث على مكة فتلقاه بعسفان فقال : من استخلفت على الوادي ؟ فقال استخلفت عليهم ابن أبزى ، قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى لنا ، قال : استخلفت عليهم مولى ؟ قال : يا أمير المؤمنين إنه قارئ لكتاب الله ، عالم بفرائض الله قاض ، فقال عمر : إن الله عز وجل يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين .

، وكما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال : حدثنا إسحاق بن يحيى الكلبي ، قال : حدثنا الزهري ، قال : حدثني [ ص: 446 ] عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث تلقى عمر رضي الله عنه بعسفان ثم ذكر هذا الحديث .

ومثل ذلك ما قد روي عن عمر رضي الله عنه مما لم يقله إلا توقيفا .

وكما حدثنا يزيد ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، قال : استخلف نافع بن عبد الحارث ابن أبزى على مكة وكان من الموالي ، فقال له عمر : من استخلفت على مكة ؟ فقال : استخلفت ابن أبزى ، قال : تستخلف رجلا من الموالي ؟ قال : ما تركت أحدا أعلم بكتاب الله عز وجل منه ، قال : لئن قلت ذاك إن الله عز وجل ليرفع بالقرآن رجالا ويضع به رجالا ، وإني لأرجو أن يكون ممن رفع بالقرآن

قال أبو جعفر : فكان الله عز وجل - يرفع بالقرآن من لم يكن رفيعا قبل ذلك ، فكذلك يحتمل أن يكون يرفع بالأذان من لم يكن رفيعا قبل ذلك ، وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم : إنه سيأتي زمان يكون مؤذنوكم فيه سفلكم ، على معنى أنهم سفل في أنسابهم ولا سفل فيما سوى ذلك من أمورهم ، ولكنهم سفل عمن هو أعلى منهم في النسب ممن قد [ ص: 447 ] كان يجب أن يسبقهم إلى ما صاروا من أهله ، وأن يكون هو ولي ما خلاه لهم ، فإذا خلاه لهم انخفض بذلك وارتفعوا عليه بتوليتهم إياه وإن صاروا أهله دونه ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية