الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الإمام : اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول .

            فيرد أن اللفظ دليل النسخ ( لا نفسه ) .

            ولا يطرد ; فإن لفظ العدل نسخ حكم كذا ليس بنسخ .

            ولا ينعكس ; لأنه قد يكون بفعله عليه السلام .

            ثم حاصله : اللفظ الدال على النسخ ; لأنه فسر الشرط بانتفاء النسخ ، وانتفاء انتفائه حصوله .

            وقال الغزالي - رحمه الله - الخطاب الدال على ارتفاع الحكم [ ص: 494 ] الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه .

            وأورد الثلاثة الأول .

            وأن قوله : على وجه إلى آخره ، زيادة .

            وقالت الفقهاء : النص الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع التأخير عن مورده .

            وأورد الثلاثة .

            فإن فروا من الرفع لكون الحكم قديما ، والتعلق قديما - فانتهاء أمد الوجوب ينافي بقاءه عليه ، وهو معنى الرفع .

            وإن فروا لأنه لا يرتفع تعلق بمستقبل لزم منع النسخ قبل الفعل ، كالمعتزلة .

            وإن كان لأنه بيان أمد التعلق بالمستقبل المظنون استمراره فلا بد من زواله .

            المعتزلة : اللفظ الدال على أن مثل الحكم الثابت ( بالنص [ ص: 495 ] المتقدم ) زائل على وجه لولاه لكان ثابتا .

            فيرد ما على الغزالي .

            والمقيد بالمرة بفعل .

            التالي السابق


            ش - عرف إمام الحرمين النسخ بأنه اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول .

            واعترض عليه بأن اللفظ دليل النسخ ، لا نفسه .

            وبأنه لا يطرد الحد ، فإن لفظ العدل نسخ حكم كذا ، يصدق عليه هذا الحد ; لأنه لفظ دال على ظهور انتفاء الحكم الأول لكونه لفظ عدل وظهور انتفاء الحكم الأول . ولفظ العدل ليس بنسخ بالاتفاق .

            وبأنه لا ينعكس ; لأن النسخ قد يكون بفعل الرسول - عليه السلام - فيوجد الحد بدون المحدود .

            وبأن حاصل الحد يرجع إلى أن النسخ هو اللفظ الدال على النسخ ، فيكون تعريف الشيء بنفسه . وهو باطل .

            وإنما قلنا : إن حاصله يرجع إلى هذا ، لأن الإمام فسر شرط دوام الحكم الأول بانتفاء النسخ ، فانتفاء شرط الدوام انتفاء انتفاء النسخ ، وانتفاء انتفاء النسخ حصول النسخ ، فيكون معنى ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول : ظهور النسخ ، ويلزم ما ذكرنا .

            [ ص: 496 ] ورام بعض الشارحين إصلاح هذا التعريف ودفع الاعتراضات وقال : المراد باللفظ : التلفظ ، واللام فيه عوض المضاف إليه ، فيكون معناه تلفظ الشرع .

            والمراد بانتفاء شرط دوام الحكم الأول : حصول حكم لا يجامع الحكم الأول ، فحينئذ لا يرد أن اللفظ دليل النسخ ; لأن الملفوظ دليل النسخ ، لا اللفظ ، واللفظ : بيان انتهاء مدة الحكم ، وهو النسخ .

            ويطرد ; لأن قول العدل ليس لفظ الشرع .

            ويكون حاصل التعريف أنه لفظ دال على ظهور حكم لا يجامع الأول ، فلا دور .

            والفعل يدل على النسخ لا أنه نسخ ، بخلاف اللفظ فإنه الإتيان بالملفوظ الذي هو الدليل ، فيكون نسخا .

            هذا ما قاله . وفيه نظر .

            لأن اللفظ هو الملفوظ لا التلفظ ; لأنه وصفه بكونه دالا ، والدال هو الملفوظ ، لا التلفظ ، فحينئذ يرد الاعتراض الأول والثالث .

            وأما قوله : المراد من انتفاء شرط دوام الحكم الأول : حصول حكم لا يجامع الحكم الأول - فباطل ؛ إذ لا دلالة لانتفاء شرط دوام [ ص: 497 ] الحكم الأول على حصول حكم لا يجامع الحكم الأول بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام .

            ولا يجوز أن يراد باللفظ ما لا دلالة عليه بوجه .

            والمصنف أورد الاعتراض الرابع بناء على تفسير الإمام الشرط ، ولا شك أنه وارد على هذا التقدير .

            وأما قوله : اللام في اللفظ عوض عن المضاف إليه ، وهو الشرع ، قلنا : لم يتحقق قرينة تدل على ذلك .

            وقال الغزالي في تعريف النسخ : إنه الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه .

            فقوله : الخطاب الدال ، كالجنس يشمل النسخ وغيره ، وإنما قال : الخطاب ، ولم يقل النص ; ليكون شاملا للفظ والفحوى والمفهوم إذ يجوز النسخ بجميع ذلك .

            وقوله : الدال على ارتفاع الحكم ( يخرج الخطاب المقرر للحكم ) .

            وإنما قال : ارتفاع الحكم ، ولم يقل ارتفاع الأمر والنهي ; ليعم جميع أنواع الحكم من الندب والكراهة والإباحة ، فإن جميع [ ص: 498 ] ذلك قد ينسخ .

            وقوله : الثابت بالخطاب المتقدم ، يخرج الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالأصل .

            وقوله : على وجه لولاه لكان ثابتا . احتراز عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم المتقدم الذي له وقت محدود ، مثل : لا تصوموا بعد غروب الشمس ، بعد ما إذا قال : أتموا الصيام إلى الليل ; فإنه لا يكون نسخا ؛ لأنه وإن كان دالا على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم ، لكن لا يكون على وجه لولاه لكان ثابتا .

            وقوله : مع تراخيه ؛ احتراز عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم ، إذا كان متصلا به ، كالاستثناء والصفة والغاية والشرط ؛ فإنها لا تكون نسخا ، بل بيانا وإتماما لمعنى الكلام .

            ثم قال المصنف : ويرد على هذا الحد الثلاث الأول الواردة على الحد المتقدم .

            فإن الخطاب دليل النسخ ، لا نفسه .

            [ ص: 499 ] وإنه يلزم أن يكون قول العدل نسخ حكم كذا - نسخا .

            وأن النسخ قد يكون بفعل الرسول ، عليه السلام ، مع أنه ليس بخطاب .

            ويرد أيضا : أن قوله : على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه ، زيادة لا حاجة إليه في التعريف .

            ولا يرد الثاني ; لأن المراد بالخطاب خطاب الشارع ; لأنه السابق إلى الفهم عند إطلاق الخطاب ، بخلاف اللفظ فإنه لا يسبق من إطلاقه لفظ الشارع .

            والفقهاء لما لم يعقلوا الرفع للحكم الشرعي عرفوا النسخ بأنه : النص الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع التأخير عن مورده ، أي عن زمان وروده .

            والمراد بالنص : ما يقابل الإجماع والقياس .

            وأورد على هذا التعريف الثلاثة الأولى الواردة على الحدين الأولين ؛ يعني كون النص دليل النسخ ، لا نفسه ، وعدم الاطراد ، وعدم الانعكاس .

            والحق أن عدم الاطراد غير وارد ; لأن النص لا يطلق على لفظ العدل .

            وكذا عدم الانعكاس ، غير وارد ; لأن النص يتناول فعل الرسول ، عليه السلام .

            [ ص: 500 ] والمصنف بين أن فرارهم عن إطلاق الرفع على النسخ لا وجه له ; لأنهم إن فروا من الرفع ، لأن الحكم قديم ، والتعلق المعنوي أيضا قديم ، والقديم لا يرفع ، فانتهاء أمد الوجوب ينافي بقاء الوجوب على المكلف ; لأنه إذا انتهى أمد الوجوب لم يبق الوجوب عليه . ولا نعني بالرفع إلا عدم بقاء الحكم على المكلف ، فيلزم وقوعهم فيما فروا عنه .

            وإن فروا عن إطلاق النسخ ، لأن النسخ إنما كان لتعلق الحكم بالفعل في المستقبل ، وتعلق الحكم بالفعل في المستقبل لا يرفع ؛ لأن التعلق في المستقبل لم يوجد ، وما لم يوجد ، لا يرتفع - لزمهم منع نسخ الحكم قبل الوقت ، كما هو مذهب المعتزلة .

            والفقهاء يجوزون نسخ الحكم قبل الوقت .

            وإن فروا عن الرفع لأن تعلق الحكم بالمستقبل يظن دوامه واستمراره ، والنسخ بيان أمد التعلق بالمستقبل المظنون استمراره - فلا بد من زوال التعلق المذكور ; لأن بعد بيان الأمد لا يبقى ظن الاستمرار ، فصح إطلاق الرفع حينئذ عليه .

            قيل : لقائل أن يقول : زواله جاز أن يكون لعدم [ ص: 501 ] المقتضى ، فصح ما قال الفقهاء ، ولا يصح ما قلتم ; لأنه ليس رفعا بدليل آخر .

            وفيه نظر ، لأن المقتضى لا يخلوا إما أن يكون متحققا ، أو لا .

            والثاني باطل وإلا لم يتحقق الحكم .

            والأول لا يخلوا إما أن ينعدم بنفسه أو بغيره .

            والأول باطل بالضرورة .

            والثاني يلزم منه رفع الحكم بدليل متأخر .

            وقالت المعتزلة : النسخ : اللفظ الدال على أن مثل الحكم الثابت بالنص المتقدم زائل على وجه لولاه لكان ثابتا .

            وهذا التعريف قريب مما ذكره الغزالي ، فلهذا يرد عليه ما يرد على تعريف الغزالي .

            ويرد على هذا التعريف خاصة الأمر المقيد بمرة إذا ورد بعده نص دال على زوال حكمه ؛ فإنه نسخ مع أنه لم يدل على زوال مثل الحكم الثابت ، بل على زوال ذلك الحكم .

            ولا يخفى أن هذا غير وارد على المعتزلة ; لأنهم لا يجوزون نسخ الحكم قبل الفعل ، فحينئذ لا يجوز الأمر المقيد بالمرة عندهم .




            الخدمات العلمية