الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) الأمران المتعاقبان بمتماثلين ولا مانع عادة من التكرار من تعريف أو فيه ، والثاني غير معطوف ؛ مثل صل ركعتين ، صل ركعتين ; قيل : معمول بهما .

            وقيل : تأكيد .

            وقيل بالوقف .

            الأول : فائدة التأسيس أظهر ، فكان أولى .

            [ ص: 83 ] الثاني : كثر في التأكيد ، ويلزم من العمل مخالفة براءة الذمة ، وفي المعطوف العمل أرجح .

            فإن رجح التأكيد بعادي قدم الأرجح .

            وإلا فالوقف .

            التالي السابق


            ش - إذا ورد أمر عقيب أمر فلا يخلو إما أن يختلف متعلقاهما ، أو يتماثلا ; فإن اختلفا وأمكن الجمع بينهما عمل بكل منهما ; مثل : صم هذا اليوم وصل ركعتين .

            وإن لم يمكن الجمع بينهما فعند من لا يجوز التكليف بالمحال ، يستحيل وقوعهما .

            وعند من يجوزه لا يستحيل .

            وإن تماثل متعلقاهما ، فلا يخلو من أن يمنع مانع من التكرار من جهة عادة الاستعمال ، كتعريف الثاني بلام العهد ، مثل : أعط درهما ، أعط الدرهم .

            أو غير التعريف ، كقول السيد لعبده : اسقني ماء اسقني [ ص: 84 ] ماء ، أو لا يمنع مانع .

            فإن كان الأول يكون الثاني تأكيدا للأول .

            وإن كان الثاني فلا يخلو من أن يكون الثاني معطوفا على الأول أو غير معطوف .

            فإن كان الثاني غير معطوف ، كقول الشارع : صل ركعتين ، صل ركعتين ؛ فقد اختلفوا فيه ; فقيل : معمول بهما ، وقيل : الثاني تأكيد للأول ، وقيل : الوقف .

            حجة المذهب الأول : أن الأمر الثاني لا بد وأن يكون له فائدة ، وهي إما التأسيس ، أي جعله شرعا غير الأول ، وإما التأكيد . والتأسيس أظهر ; لأن فائدة التأسيس أكثر من فائدة التأكيد ; وحمل أمر الشرع على ما فائدته أكثر أظهر . وإذا كان التأسيس أظهر كان أولى .

            حجة المذهب الثاني : أن العمل بهما يوجب مخالفة براءة الذمة [ ص: 85 ] التي هي الأصل ، ولا يجوز بالاتفاق مخالفة الأصل إلا بدليل قطعي أو ظاهر ، والأمر الثاني الوارد عقيب الأول ليس بقطعي في العمل به ؛ لاحتمال التأكيد ، ولا بظاهر ; لأن التأكيد لكونه كثير الاستعمال في مثل هذه الصور لا يكون مرجوحا .

            هذا إذا كان الأمر الثاني غير معطوف على الأول .

            أما إذا كان معطوفا على الأول ، مثل : صل ركعتين وصل ركعتين - فالعمل بهما أرجح من التأكيد إن لم يمنع مانع عادي من التغاير بين الأمرين ، كما في المثال المذكور .

            وإنما كان العمل بهما أرجح لأن العطف يقتضي التغاير .

            وأما إذا منع مانع عادي من التغاير ، مثل قول السيد لعبده : اسقني ماء واسقني ماء فإنه يعمل بالأرجح من العادة المانعة للتغاير والعطف المقتضي له .

            وفي المثال المذكور العمل بهما أرجح من التأكيد ؛ لأن العادة والعطف تعارضا . فتبقى فائدة التأسيس سالمة عن المعارض .

            وإلا - أي وإن لم يكن واحد من العمل والتأكيد راجحا على الآخر ، مثل : اسقني ماء واسقني الماء - فالوقف بين حمل الثاني على التأكيد أو على التأسيس ; لأن العادة والتعريف في مقابلة التأسيس والعطف ، فلا مرجح لأحدهما على الآخر .




            الخدمات العلمية