الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - المثبتون .

            قال أبو عبيد في " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " : يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عقوبته وعرضه .

            وفي " مطل الغني ظلم " مثله .

            وقيل له في قوله - عليه السلام - : " خير له من أن يمتلئ شعرا " : المراد : الهجاء ، وهجاء الرسول - عليه السلام - فقال : لو كان كذلك لم يكن لذكر الامتلاء معنى ؛ لأن قليله كذلك ، فألزم من تقدير الصفة ( المفهوم ) .

            وقال به الشافعي رحمه الله .

            وهما عالمان بلغة العرب .

            فالظاهر فهمهما ذلك لغة .

            قالوا : بنيا على اجتهادهما .

            وأجيب بأن اللغة تثبت بقول الأئمة من أهل اللغة ولا يقدح فيها التجويز .

            [ ص: 450 ] وعورض بمذهب الأخفش ، وأجيب بأنه لم يثبت كذلك ، ولو سلم فمن ذكرناه أرجح ، ولو سلم فالمثبت أولى .

            التالي السابق


            ش - المثبتون - أي القائلون بأن تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات يدل على نفيه عما عداها لغة - احتجوا بأنه لو لم يدل تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات على نفيه عما عداه لغة - لما فهم أهل اللغة ذلك .

            والتالي باطل .

            أما الملازمة فلأن أهل اللغة لا يفهمون من اللفظ ما لا يدل اللفظ عليه لغة .

            وأما بيان انتفاء التالي فلأنه قال أبو عبيد في قوله - عليه [ ص: 451 ] السلام - : " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " . يدل على أن لي من ليس بواجد لا يحل عقوبته وعرضه .

            وكذلك قال أبو عبيد في قوله - عليه السلام - : " مطل الغني ظلم " . مثل ما قال في الخبر المتقدم . ففهم من تعليق [ ص: 452 ] الحكم على إحدى صفتي الذات نفيه عما عداها ، وهو من أئمة اللغة ، واللي : المطل ، والواجد : الغني ، والمراد بإحلال عقوبته : حبسه ، وبإحلال عرضه : مطالبته به .

            وقيل لأبي عبيد في قوله - عليه السلام - : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا " . المراد بالشعر الهجاء . وهجاء الرسول .

            فقال أبو عبيد : لو كان المراد من الشعر : الهجاء لم يكن لذكر الامتلاء معنى ; لأن قليل الهجاء كذلك .

            فألزم أبو عبيد من تقدير الصفة ، نفي الحكم عما عداها .

            وإنما قال : من تقدير الصفة ; لأن ها هنا لم يقيد اسم عام بصفة ظاهرا ، كما في الغنم ، لكن لما قيل لأبي عبيد : المراد من [ ص: 453 ] الشعر : الهجاء قدر الامتلاء صفة للهجاء ، حتى كأنه قيل : الهجاء الذي يمتلئ منه الجوف .

            وقال الشافعي بمفهوم الصفة .

            وهما - أي الشافعي وأبو عبيد - عالمان بلغة العرب ، فالظاهر أنهما فهما المفهوم لغة ، لا اجتهادا .

            النافون للمفهوم قالوا : بنى الشافعي وأبو عبيد المفهوم على اجتهادهما ; لأنهما وإن كانا من أئمة اللغة ، إلا أنهما في درجة الاجتهاد ، فنقلهما قد يكون مستندا إلى الوضع ، وقد يكون مستندا إلى الاجتهاد ، فحينئذ لا يجب قبول نقلهما .

            أجاب المصنف بأن اللغة تثبت بقول الأئمة من أهل اللغة ، ولا يقدح في اللغة المثبتة بقولهم ، جواز أن يكون باجتهادهم ; لأن احتمال الاجتهاد مرجوح ، واحتمال الاستناد إلى الوضع راجح ، والمرجوح لا يقدح في الراجح .

            وعورض بمذهب الأخفش ؛ فإنه نقل أن مذهب الأخفش أن [ ص: 454 ] تعليق الحكم على إحدى صفتي الذات لا يدل على نفي ما عداها . أجاب المصنف بأن هذا لا يصلح أن يكون معارضا لما ذكرنا ; لأن هذا المذهب لم يثبت عن الأخفش ، كما ثبت خلافه عن الشافعي وأبي عبيد .

            ولو سلم ثبوت هذا المذهب عن الأخفش كثبوت مذهبهما لكن من ذكرناه - وهو الشافعي وأبو عبيد - أرجح ؛ لأنهما أفضل .

            ولو سلم عدم رجحانهما فالدليل الذي ذكرناه راجح على الدليل الذي ذكرتم ; لأن دليلنا مثبت ، ودليلكم ناف ، والمثبت أولى من النافي .




            الخدمات العلمية