الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الشافعي - رحمه الله - ( ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ) .

            ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) وهي من الله رحمة ومن الملائكة استغفار .

            وأجيب بأن السجود : الخضوع ، والصلاة : الاعتناء بإظهار الشرف .

            أو بتقدير خبر أو فعل حذف لدلالة ما يقارنه .

            [ ص: 167 ] أو بأنه مجاز بما تقدم .

            التالي السابق


            ش - احتج الشافعي على جواز استعمال المشترك حقيقة في معنييه جميعا بوقوعه في قوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب .

            وفي قوله تعالي : إن الله وملائكته يصلون على النبي .

            أما في الآية الأولى فلأنه استعمل السجود وأراد معنييه : وضع الجبهة والخضوع ; لأنه نسب السجود إلى الناس وغيرهم وسجود الناس : وضع الجبهة ، وسجود غيرهم : الخضوع .

            وأما في الآية الثانية فلأن الصلاة استعملت في مدلوليها : الرحمة والاستغفار ، لأنه أسند الصلاة إلى الله والملائكة ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار .

            والأصل في الاستعمال : الحقيقة .

            [ ص: 168 ] فيكون المشترك مستعملا في معنييه بطريق الحقيقة .

            أجاب بثلاثة وجوه :

            الأول : أن السجود هو الخضوع ، وهو يشمل الناس وغيرهم ، وأن الصلاة هي الاعتناء بإظهار شرف الرسول عليه السلام وحرمته .

            وهذا معنى مشترك بين الله وملائكته . فيكون استعمالها بطريق التواطؤ .

            الثاني : أنه يجوز أن يقدر فعل في الأولى حتى كأنه قال : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات وسجد له من في الأرض ويسجد له الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ويسجد له كثير من الناس . ويكون السجود فيما هو مسند إلى الناس بوضع الجبهة ، وفي الباقي بالخضوع ، فلا يكون استعمالا للفظ المشترك في مدلوليه .

            ويجوز أن يقدر خبر في الثانية حتى كأنه قال : إن الله يصلي وملائكته يصلون .

            ويكون حذف الفعل في الآية الأولى ، والخبر في الثانية [ ص: 169 ] لقرينة ، وهي دلالة ما يقاربه عليه ، كقولهم :

            علفتها تبنا وماء باردا

            الثالث - أن استعمال السجود في الأولى والصلاة في الثانية في المعنيين بطريق المجاز ، لا بطريق الحقيقة .

            ولقائل أن يقول أيضا : لو ( كان ) السجود في الآية الأولى ، والصلاة في الثانية مستعملا في المعنيين بالحقيقة - يلزم إسناد معنى السجود إلى كل واحد من الشجر ( والجبال ) والدواب ، ( وإسناد ) الصلاة إلى الله تعالى وإلى الملائكة . وهو ظاهر الفساد .

            ومن هذا يعرف عدم استقامة الجواب الأخير ; لأنه يلزم منه الفساد المذكور .




            الخدمات العلمية