الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - واستدل بقوله - تعالى - : أن تذبحوا بقرة وكانت معينة بدليل تعيينها بسؤالهم مؤخرا .

            وبدليل أنه لم يؤمر بمتجدد .

            وبدليل المطابقة لما ذبح .

            وأجيب بمنع التعيين ، فلم يتأخر بيان بدليل بقرة ، وهو ظاهر .

            وبدليل قول ابن عباس - رضي الله عنهما - : لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم " .

            [ ص: 399 ] وبدليل : ( وما كادوا يفعلون ) .

            واستدل بقوله تعالى : ( إنكم وما تعبدون ) فقال ابن الزبعرى ، فقد عبدت الملائكة والمسيح ، فنزل : ( إن الذين سبقت ) .

            وأجيب بأن " ما " لما لا يعقل ، ونزول " إن الذين سبقت " زيادة بيان لجهل المعترض ، مع كونه خبرا .

            واستدل بأنه لو كان ممتنعا لكان لذاته أو لغيره بضرورة أو نظر ، وهما منتفيان .

            وعورض : لو كان جائزا إلى آخره .

            التالي السابق


            ش - استدل على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة بثلاثة وجوه :

            الأول - قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) . والبقرة غير معينة بحسب الظاهر ، لأنها نكرة ، وكان المراد بها بقرة معينة ، ولم يقترن بها بيان .

            وإنما قلنا : إن المراد بها بقرة معينة لثلاثة وجوه :

            [ ص: 400 ] الأول - أن الله سبحانه وتعالى عينها بعد سؤالهم عن البقرة ( المأمور بذبحها المتأخر من الخطاب بذبحها ، ولو لم تكن البقرة معينة لم يكن للسؤال والجواب معنى .

            الثاني - أن البقرة ) لو لم تكن معينة لكان المأمور بها في الآية الثانية متجددة .

            والتالي باطل ; لأنهم لم يؤمروا بمتجدد .

            بيان الملازمة : أن المأمور بها في الآية الثانية معينة وفي الآية الأولى غير معينة ، فيكون المأمور بها في الثانية متجددة . الثالث - أن المأمور بها لو كانت غير معينة لما طابقت المأمور بها لما ذبح ; لأن البقرة المذبوحة معينة .

            والتالي باطل بدليل مطابقة المأمور بها لما ذبح .

            أجاب المصنف عنه بمنع التعيين ، فحينئذ لم يتأخر بيان ، والدليل على عدم التعيين بثلاثة وجوه :

            الأول - أن البقرة المأمور بها غير معينة لقوله تعالى : أن تذبحوا بقرة . فإنها نكرة والنكرة غير معينة بحسب الظاهر ، وترك الظاهر خلاف الأصل ، فلا يجوز القول به .

            [ ص: 401 ] الثاني - قول ابن عباس : لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم ، ولكنهم شددوا في السؤال فشدد الله عليهم ، وذلك دليل على أن البقرة غير معينة ; لأن طلب زيادة البيان ليس بتشديد .

            الثالث - أن البقرة لو كانت معينة لما عنفهم الله على طلب البيان ; لأن طلب البيان يوجب استحقاق المدح .

            والتالي باطل ؛ لقوله تعالى : وما كادوا يفعلون .

            الثاني - قوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم فإنه عام ، مع أن العموم غير مراد ، وقد أخر بيانه الذي هو المخصص لأنه لما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعرى : لأخاصمن محمدا ، فلما جاء إلى الرسول - قال : أليس عبدت الملائكة والمسيح ; فتوقف الرسول - عليه السلام - في الجواب ، ثم نزل : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون [ ص: 402 ] فخصصت به الآية الأولى .

            أجاب بأن الآية الأولى غير متناولة للملائكة والمسيح ; لأن " ما " لما لا يعقل ، فحينئذ لا يكون قوله تعالى إن الذين سبقت تخصيصا وبيانا لذلك العموم ، بل هو زيادة بيان لجهل المعترض ( مع أنه خبر وليس فيه دلالة على التخصيص ) .

            وقد روي أنه عليه السلام - لما قال ابن الزبعرى ما نقل عنه قال له : ما أجهلك بلغة قومك ، " ما " لما لا يعقل .

            هذا مع أن ما نقل عن ابن الزبعرى وكونه سببا لنزول الآية ، خبر من باب الآحاد ، فلا يعول عليه في المسألة العلمية .

            الثالث - أن تأخير البيان لو كان ممتنعا لكان امتناعه لذاته أو لغيره وعلى كل واحد من التقديرين إما أن يعلم ذلك بضرورة أو بنظر وكل منهما منتف .

            أجاب عنه بالمعارضة بأنه لو كان جائزا فجوازه إما أن يعلم بضرورة أو نظر ، وكل منهما منتف .




            الخدمات العلمية