الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ( مسألة ) لا إجمال في نحو : " لا صلاة إلا بطهور " .

            خلافا للقاضي .

            لنا : إن ثبت عرف شرعي في الصحيح فلا إجمال ، وإلا [ ص: 370 ] فالعرف في مثله ( نفي ) الفائدة ، مثل : لا علم إلا ما نفع ، فلا إجمال .

            ولو قدر انتفاؤهما فالأولى نفي الصحة ; لأنه يصير كالعدم .

            فكان أقرب إلى الحقيقة المتعذرة .

            فإن قيل : إثبات اللغة بالترجيح .

            قلنا : إثبات المجاز بالعرف في مثله ( وهو جائز ) .

            قالوا : العرف شرعا مختلف في الكمال والصحة .

            قلنا : مختلف للاختلاف .

            وإن سلم ، فلا استواء لترجحه بما ذكرناه .

            التالي السابق


            ش - لما كان النفي الوارد على ما له وجود حسا ، مثل : [ ص: 371 ] " لا صلاة إلا بطهور " لا يبقى ذلك حقيقة ، بل لا بد له من تقدير أمر يتعلق النفي به - اختلفوا في كونه مجملا :

            فذهب الجمهور إلى أنه ليس بمجمل .

            وذهب القاضي إلى أنه مجمل لتعدد ما يصلح أن يقدر لتعلق النفي به ، وامتناع تقدير الكل لاندفاع الضرورة بالبعض ، وامتناع بعض معين لعدم الأولوية .

            واحتج المصنف على أنه لا إجمال فيه بأنه إن ثبت عرف شرعي في الصحيح ، فلا إجمال ، أي إن ثبت أن الشارع نقله من نفي الصلاة إلى نفي الصلاة الصحيحة فلا إجمال .

            [ ص: 372 ] وإلا - أي وإن لم يثبت عرف شرعي - فالعرف اللغوي في مثل هذا التركيب يقتضي إضمار الفائدة ، أي لا فائدة لصلاة إلا بطهور ، مثل : لا علم إلا ما نفع ؛ أي لا فائدة لعلم إلا ما نفع ، فلا إجمال أيضا .

            فلو فرض انتفاء العرف الشرعي واللغوي في مثل ذلك فنفي الصحة أولى من نفي الفضيلة ؛ لأنه إذا انتفى صحة الشيء يصير كالعدم ; لأنه حينئذ لا يكون معتدا به .

            بخلاف ما إذا انتفى الفضيلة ، فإنه لا يصير كالعدم ; لأنه قد يكون معتدا به عند انتفاء الفضيلة ، فكان نفي الصحة أقرب إلى الحقيقة المتعذرة التي هي نفي الوجود .

            فإن قيل : هذا الاستدلال فاسد ; لأنه إثبات اللغة بالترجيح ; وإثبات اللغة بالترجيح باطل بالاتفاق .

            أجيب بأن هذا الاستدلال إثبات لأولوية أحد المجازات ( بعد تعذر الحقيقة بالعرف ؛ وإثبات أحد المجازات ) بالعرف جائز .

            قيل : كيف صح جوابه بإثبات المجاز بالعرف ، والتقدير انتفاء العرف الشرعي واللغوي ؟ .

            أجيب بأنه أراد بهذا العرف عرف الأصوليين ؛ فلا منافاة .

            قيل : إن التأمل يأبى هذا الجواب ، لأن كلام الشارع لا يرد [ ص: 373 ] على ما هو مصطلح حدث بعد ظهور الشرع .

            والأولى أن يقال في جوابه : إن هذا الجواب على تقدير انتفاء الحقيقة الشرعية والعرفية ، وانتفاؤهما لا يوجب انتفاء عرف المجاز .

            احتج القائلون بالإجمال بأن عرف الشرع مختلف في الكمال والصحة في مثل هذا التركيب ; لأنه يرد هذا التركيب في الشرع تارة لنفي الصحة ، وأخرى لنفي الكمال ، وإذا اختلف عرف الشرع فيهما كان مجملا .

            أجاب بأنا لا نسلم أن وروده في الشرع مختلف ، بل الاختلاف إنما حصل من اختلاف العلماء في تقديره ; فإن بعضهم يقدر الصحة ، وبعضهم يقدر الكمال .

            ولئن سلم أن وروده في الشرع مختلف ، ولكن لا نسلم أن اختلاف عرف الشرع يوجب الإجمال ; لأن اختلاف عرف الشرع إنما يوجب الإجمال أن لو تساوى عرف الشرع فيهما وهو ممنوع ; لأن نفي الصحة راجح بما ذكرنا ؛ فلا إجمال .




            الخدمات العلمية