الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - واستدل بأن إبراهيم - عليه السلام - أمر بالذبح بدليل : ( افعل ما تؤمر ) وبالإقدام ، وبترويع الولد ، ونسخ قبل التمكن .

            واعترض بجواز أن يكون موسعا .

            وأجيب بأن ذلك لا يمنع رفع تعلق الوجوب بالمستقبل ; لأن الأمر باق عليه ، وهو المانع عندهم .

            وبأنه لو كان موسعا لقضت العادة بتأخيره ، رجاء نسخه أو موته لعظمه .

            وأما دفعهم بمثل : لم يؤمر ، وإنما توهم ، أو أمر بمقدمات الذبح - فليس بشيء .

            أو ذبح وكان يلتحم عقيبة ، أو جعل صفيحة نحاس ، أو حديد - فلا يسمع ، ويكون نسخا قبل التمكن .

            التالي السابق


            ش - واستدل على جواز النسخ قبل الوقت بقصة إبراهيم .

            [ ص: 515 ] فإنه - عليه السلام - أمر بذبح ولده إسماعيل ونسخ عنه قبل التمكن من الذبح ، أي قبل وقت الفعل .

            أما الأول فبدليل قوله تعالى - حكاية عن إسماعيل - ( افعل ما تؤمر ) وهو الذبح ، لأنه قال إبراهيم : ( إني أرى في المنام أني أذبحك ) .

            وبدليل إقدام إبراهيم على الذبح .

            وبدليل ترويعه إسماعيل ، أي تخويفه .

            فلو لم يكن الذبح مأمورا به لم يقدم عليه ، ولم يخوف ولده .

            وأما أنه نسخ فلقوله تعالى : ( وفديناه بذبح عظيم ) وأما أنه نسخ قبل التمكن ، أي قبل وقته ، فلأنه لو تمكن من الذبح لكان عاصيا بتأخيره .

            واعترض على هذا بأنه يجوز أن يكون وجوب الذبح موسعا ، ونسخ بعد مضي وقت يسع الذبح فيه ، فحينئذ لا يكون النسخ قبل وقت الفعل .

            أجاب عنه بوجهين :

            الأول - أن ذلك ، أي الوقت الموسع لا يمنع رفع تعلق [ ص: 516 ] الوجوب بالمستقبل ، أي لا يمنع رفع تعلق الوجوب قبل وقت الفعل ; لأن وجوب الفعل باق على المكلف إذا لم يأت بالفعل في أول الوقت الموسع ، وبقاء الوجوب على المكلف هو المانع عند الخصوم عن النسخ .

            فيمتنع النسخ في باقي الوقت الموسع .

            ويمتنع أيضا بعد انقضاء الوقت الموسع ؛ لانقطاع التكليف بنفسه .

            ويمتنع أيضا في أول الوقت الموسع لتحقق الوجوب فيه .

            فتعين أن يكون النسخ قبل الوقت الموسع .

            الثاني - أنه لو كان وجوب الذبح موسعا لأخره ؛ لأن العادة تقضي بتأخير مثل هذا الفعل رجاء لنسخه أو موت أحدهما ، لعظم مثل هذا الأمر .

            وقد دفع جماعة من الأصوليين هذا الاستدلال بأن إبراهيم لم يؤمر بالذبح ، وإنما توهم الأمر به .

            أو أمر بمقدمات الذبح لا بنفسه .

            أجاب المصنف بأن هذا الدفع ليس بشيء ; لأنه لو لم يؤمر بالذبح لما احتاج إلى الفداء .

            [ ص: 517 ] ودفعوا أيضا بأنه يجوز أنه ذبح والتحم عقيبة ، أي صار صحيحا ؛ يقال : التحم الجرح للبرء .

            وبأنه يجوز أنه جعل الله تعالى على حلقه صفيحة نحاس أو حديد ، فيمتنع الذبح ، لا أنه نسخ .

            أجاب بأنه لا يسمع هذا الدفع .

            أما الأول - فلأنه لو ذبح والتحم لم يحتج إلى الفداء .

            وأما الثاني - فلأنه حينئذ يكون الأمر بالذبح تكليفا بما لا يطاق ، وهو محال عند المعتزلة .

            ومع هذا يلزم أن يكون نسخا قبل التمكن ; لأنه لم يتمكن من الذبح عند وجود الصفيحة .

            والصفيحة : السيف العريض ، ووجه كل شيء عريض .




            الخدمات العلمية