الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - فلو قال : في السائمة زكاة ، ثم قال : في المعلوفة زكاة فلا نسخ .

            فإن تحقق أن المفهوم مراد - فنسخ ، وإلا فلا .

            ولو زيدت ركعة في الصبح - فنسخ ، لتحريم الزيادة ثم وجوبها .

            والتغريب على الحد كذلك .

            فإن قيل : منفي بحكم الأصل .

            قلنا : هذا لو لم يثبت تحريمه .

            فلو خير في المسح بعد وجوب الغسل فنسخ للتخيير بعد الوجوب .

            ولو قال : ( واستشهدوا شهيدين ) ثم ثبت الحكم ( بالنص ) بشاهد ويمين - فليس بنسخ ; إذ لا رفع لشيء .

            [ ص: 570 ] ولو ثبت مفهومه ومفهوم ( فإن لم يكونا رجلين ) إذ ليس فيه منع الحكم بغيره .

            ولو زيد في الوضوء اشتراط غسل عضو - فليس بنسخ ؛ لأنه إنما حصل وجوب مباح الأصل .

            قالوا : كانت مجزئة ثم صارت غير مجزئة .

            قلنا : معنى مجزئة : امتثال الأمر بفعلها ، ولم يرتفع وارتفع عدم توقفها على شرط آخر وذلك مستند إلى حكم الأصل ، وكذلك لو زيد في الصلاة ما لم يكن محرما .

            التالي السابق


            ش - اعلم أن المصنف قد فرع على المذهب المختار عدة فروع .

            منها - لو قال الشارع في السائمة زكاة ، ثم قال : في المعلوفة زكاة ؟

            فإن كان المفهوم الذي هو دليل الخطاب مرادا من لفظ الشارع كان ذلك نسخا ; لأن رفع عدم وجوب الزكاة في المعلوفة بقوله : في المعلوفة زكاة - رفع حكم شرعي بدليل شرعي ؛ لأنه حينئذ يكون عدم وجوب الزكاة في المعلوفة حكما شرعيا دل عليه قوله : في السائمة زكاة .

            [ ص: 571 ] وإلا ؛ أي وإن لم يكن المفهوم مرادا من لفظ الشارع - لا يكون ذلك نسخا ; لأن قوله - عليه السلام - : في المعلوفة زكاة ، لم يرفع حكما شرعيا ؛ لأن عدم وجوب زكاة المعلوفة ثابت بالأصل ، ورفع الحكم الثابت بالأصل لا يكون نسخا .

            ومنها - لو زيدت ركعة في الصبح يكون نسخا لتحريم الزيادة ; لأنه قبل زيادة الركعة كانت الزيادة على الركعتين حراما ، فلما زيدت الركعة وجبت الزيادة ، فرفع وجوبها التحريم ، ومنها - زيادة التغريب على الحد ؛ فإنها تكون نسخا ؛ لأن التغريب قبل وجوبه كان حراما ، فلما وجب رفع حرمة التغريب .

            فإن قيل : رفع تحريم الزيادة ليس بنسخ ; لأن تحريم الزيادة ثابت بالأصل ، ورفع الثابت بالأصل لا يكون نسخا .

            أجيب بأن الثابت بالأصل عدم وجوب الزيادة ، أما تحريم الزيادة فثابت بالشرع ; لأنه لما كان مبطلا للإتيان بالمأمور به كان حراما .

            ومنها - لو خير المكلف في المسح على الخفين وغسل الرجلين بعد وجوب غسل الرجلين على التعيين - فنسخ ; لأن التخيير حكم شرعي ، وقد رفع وجوب الغسل على التعيين ، وهو أيضا حكم شرعي .

            [ ص: 572 ] ومنها - لو قال الشارع : واستشهدوا شهيدين ، ثم ثبت الحكم بشاهد ويمين - فليس ذلك بنسخ ; إذ مقتضى الآية أن شهادة الشاهدين حجة ، فثبوت الحكم بشاهد ويمين ، لم يرفع شيئا من مقتضاها ، فلا يكون نسخا .

            ولو ثبت مفهوم قوله : واستشهدوا شهيدين من رجالكم ومفهوم قوله : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان لا يكون الحكم بشاهد ويمين نسخا ؛ لأن مفهوم قوله : واستشهدوا شهيدين ومفهوم قوله : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان : انحصار الاستشهاد في المذكور ، لا انحصار الحكم في المذكورين .

            فمفهوم الآيتين لم يمنع الحكم بغير شاهدين وبغير رجل وامرأتين ، فلا يكون الحكم بشاهد ويمين نسخا .

            ويظهر من ذلك بطلان قول الحنفية : لو كان الحكم بالشاهد واليمين صحيحا - يلزم أن يكون خبر الواحد ناسخا .

            والتالي باطل بالاتفاق .

            بيان الملازمة : أن الحكم بالشاهد واليمين ثبت بخبر الواحد ، فلو كان صحيحا يلزم نسخ انحصار الحكم في المذكورين .

            ومنها - لو زيد في الوضوء اشتراط غسل عضو - فليس بنسخ ; [ ص: 573 ] لأنه إنما حصل بالزيادة وجوب فعل كان مباحا بالأصل ، ورفع مباح الأصل ليس بنسخ .

            قيل : هذا إنما يصح أن لو كانت الزيادة في الآخر ; لأن الزيادة إذا كانت في خلاله يرتفع بها الترتيب الثابت بدليل شرعي .

            وفيه نظر ; فإن وقوع الزيادة في خلاله ، لا يخل بالترتيب الشرعي ، لأن ما كان متأخرا قبل الزيادة بقي على تأخره بعد الزيادة .

            وكذا ما كان متقدما قبل الزيادة ، بقي على تقدمه بعدها .

            القائلون بأن زيادة اشتراط غسل عضو يكون نسخا ، قالوا : قبل الزيادة كانت الطهارة بدونها مجزئة وبعد الزيادة لم تكن مجزئة فارتفع بالزيادة الإجزاء ، وهو حكم شرعي فيكون نسخا .

            أجاب بأن معنى كون الطهارة مجزئة امتثال الأمر بفعلها ، ولم يرتفع ذلك بالزيادة ; وإنما ارتفع بالزيادة عدم توقف الطهارة على شرط آخر ، وعدم توقفها على شرط آخر ليس بحكم شرعي ; لأنه مستند إلى حكم الأصل ، فرفعه لا يكون نسخا .

            وكذلك لو زيد في الصلاة ما ليس بمحرم في الصلاة لا يكون نسخا ; لأنه حينئذ يكون رفعه رفعا لما ثبت بالأصل .

            [ ص: 574 ] ويجب أن يحمل قوله : ما ليس بمحرم ، على ما يجوز في الصلاة من غير أن يرد فيه دليل سمعي ; لأنه لو لم يحمل على هذا يلزم أن يكون وجوب ما هو مستحب في الصلاة أو مكروه ليس نسخا وهو باطل ; لأن وجوب ما هو مستحب في الصلاة يكون رافعا لحكم شرعي ، وهو الاستحباب فيكون نسخا .




            الخدمات العلمية