الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - المخصص : آية القذف لم ترجع إلى الجلد اتفاقا . قلنا : لدليل ، وهو حق الآدمي ، ولذلك عاد إلى غيره . قالوا : علي عشرة إلا أربعة إلا اثنين ، ( للأخير . قلنا : أين العطف ؟

            وأيضا : مفردات .

            وأيضا للتعذر ، فكان الأقرب أولى .

            ولو تعذر تعين الأول : مثل : ( علي ) عشرة إلا اثنين إلا اثنين ) .

            قالوا : الثانية حائلة ، كالسكوت .

            قلنا : لو لم يكن الجميع بمثابة الجملة .

            [ ص: 287 ] قالوا : حكم الأولى يقين ، والرفع مشكوك .

            قلنا : لا يقين مع الجواز للجميع .

            وأيضا فالأخيرة كذلك للجواز بدليل .

            قالوا : إنما يرجع لعدم استقلاله . فيتقيد بالأقل ، وما يليه هو المتحقق .

            قلنا : يجوز أن يكون وضعه للجميع ، كما لو قام دليل .

            التالي السابق


            ش - احتج مخصص الاستثناء بالجملة الأخيرة بخمسة وجوه :

            الأول - أن آية القذف ، وهي قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك .

            فإن الاستثناء فيها يعود إلى الجملة الأخيرة ، ولا يعود إلى الكل ; لأنه لم يرجع إلى الجلد اتفاقا .

            ويجب أن يكون في الكل كذلك وإلا يلزم الاشتراك أو المجاز .

            [ ص: 288 ] أجاب بأن عدم العود إلى الجلد لدليل ، وهو أن الجلد حق الآدمي ، والتوبة لا أثر لها في إسقاط حق الآدمي .

            والذي يدل على أن عدم العود إلى الجلد لدليل ، لا لأن الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة - أنه عاد إلى غير الجملة الأولى المتضمنة لحق الآدمي ، وهو قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون .

            الثاني - لو قال قائل : علي عشرة إلا أربعة إلا اثنين ، يعود إلى الأخيرة فقط ، فيجب أن يعود في الكل إلى الأخيرة ؛ دفعا للاشتراك أو المجاز .

            أجاب بأن النزاع إنما وقع في الجمل المتعاطفة ، ولا عطف ها هنا ، ولا جملة لأنها مفردات .

            وأيضا : إنما اختص الاستثناء في هذه الصورة بالأخيرة لتعذر عوده إلى الجميع ; لأنه لو عاد إلى الأول أيضا يلزم وجود الاستثناء الثاني وعدمه على السواء .

            وذلك لأن الاستثناء ينقض الحكم الذي تعلق به ، فحينئذ يلزم أن يخرج الاثنين من الأربعة الواقعة بعد الاستثناء الأول والاثنين من الجملة الأولى " . فالمخرج من الجملة الأولى حينئذ أربعة ، وقد أخرج بالاستثناء الأول الأربعة ، فوجود الاستثناء الثاني حينئذ لا فائدة فيه .

            ولما تعذر العود إلى الجميع وكان الأخير أقرب حمل عليه ; لأن العود إلى الأقرب أولى .

            [ ص: 289 ] ( ولو تعذر العود إلى الأخير تعين العود إلى الأول ، مثل قول القائل ، علي عشرة إلا اثنين إلا اثنين ؛ فإنه تعذر عود الاستثناء الثاني إلى الأخير ، أعني الاستثناء الأول للاستغراق ، فتعين أن يعود إلى الأول ؛ أعني العشرة ) .

            الثالث - أن الجملة الثانية حائلة بين الجملة الأولى والاستثناء . فتكون الجملة الثانية مانعة لعود الاستثناء إلى الجملة الأولى ، كالسكوت .

            أجاب بأن هذا إنما يصح أن لو لم يكن الجميع بمنزلة جملة واحدة .

            الرابع - حكم الجملة الأولى متيقن ، وما أوجب الاستثناء من الرفع بالنسبة إلى الجملة الأولى مشكوك ، والشك لا يعارض اليقين .

            أجاب بأنا لا نسلم أن حكم الجملة الأولى متيقن ; لأنه يحتمل رفع حكم الجميع بالاستثناء ، ولا يقين مع احتمال النقيض .

            وأيضا : إن كان هذا مانعا من عوده إلى الجملة الأولى ، فهو مانع من العود إلى الأخيرة ، لجواز عود الاستثناء إلى الجملة الأولى دون الأخيرة بدليل ، فحينئذ يكون رفع حكم الأخيرة بالاستثناء مشكوكا ، وثبوت حكمها متيقنا ، والمتيقن لا يرفع بالمشكوك .

            قيل على الجواب الأول : مراد المستدل أن الجملة الأولى التي هي مقتضية لحكمها ثابتة بيقين ، والاستثناء لا يرفعه بيقين . فثبت [ ص: 290 ] الحكم لتحقق المقتضي وانتفاء المانع .

            وعلى الجواب الثاني أن المانع بالنسبة إلى الأخيرة محقق ; إذ الاستثناء لا بد له من جملة يعود إليها ، والأخيرة متعينة لقربها إليه .

            الخامس - أن الاستثناء غير مستقل ، فالضرورة داعية إلى أمر يرجع إليه ، فإما أن يرجع إلى الجميع ، وهو باطل ; إذ لا ضرورة ، لأن الضرورة تندفع بعوده إلى إحدى الجملتين فيتقيد بالأقل الذي هو العود إلى أحدهما ، وما يليه ، أي الجملة الأخيرة ، هو متعين للعود إليه ، لأنه أقرب إليه ، والأقرب أرجح .

            أجاب بأنه يجوز أن يضع الواضع في صورة تعدد الجمل الاستثناء الواقع بعدها للعود إلى الجميع ، وحينئذ لا يجوز العود إلى الأخيرة فقط ، كما إذا قام دليل على عوده إلى الجميع ، فإنه حينئذ لا يعود إلى الأخيرة فقط بالاتفاق .

            ولقائل أن يقول : وضع الاستثناء للجميع محتمل ، وثبوت حكم الجملة الأولى ظاهر ، والاحتمال لا يرفع الظاهر .




            الخدمات العلمية