الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو كان عاما لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد .

            وأجيب بأنه اختص بالمنع للقطع بدخوله .

            [ ص: 157 ] على أن أبا حنيفة - رحمه الله - أخرج الأمة المستفرشة من عموم " الولد للفراش " فلم يلحق ولدها مع وروده في ولد زمعة ، وقد قال عبد بن زمعة : هو أخي وابن وليدة أبي ؛ ولد على فراشه . قالوا : لو عم - لم يكن في نقل السبب فائدة .

            قلنا : فائدته : منع تخصيصه ومعرفة الأسباب .

            قالوا : لو قال : تغد عندي : والله لا تغديت - لم يعم ، قلنا : لعرف خاص .

            قالوا : لو عم لم يكن مطابقا .

            قلنا : طابق وزاد قالوا : لو عم لكان حكما بأحد المجازات بالتحكم ؛ لفوات الظهور بالنصوصية .

            قلنا : النص خارجي بقرنية .

            التالي السابق


            ش - القائلون بأن العام الوارد على سبب خاص لا يكون عاما ، احتجوا بخمسة وجوه : [ ص: 158 ] الأول - لو كان العام الوارد على سبب خاص عاما ، لجاز تخصيص السبب ، أي إخراجه عن العام بالاجتهاد .

            والتالي باطل بالاتفاق .

            بيان الملازمة : أن السبب الذي لأجله ورد العام فرد من أفراد العام ، وكما صح إخراج غير السبب من أفراد العام بالاجتهاد ، كذلك جاز إخراج السبب .

            أجاب أولا بمنع الملازمة ; لأن دخول السبب الذي ورد لأجله العام تحت العام قطعي .

            بخلاف دخول الأفراد الأخر ، فإن دخولها تحته بحسب الظهور . فيكون السبب مختصا بعدم جواز إخراجه بالاجتهاد .

            وثانيا - بمنع انتفاء التالي ؛ فإنا لا نسلم أنهم اتفقوا على عدم جواز إخراج السبب .

            وذلك ; لأن أبا حنيفة أخرج ولد الأمة المستفرشة عن عموم قوله عليه السلام : " الولد للفراش " . ولم يلحق أبو حنيفة ولد [ ص: 159 ] الأمة بمولاها المستفرش ، مع أن الحديث ورد بسبب ولد الأمة ; لأن الحديث ورد في ولد زمعة لما روي أن زمعة كانت له أمة ، وقد أصابها عتبة بن أبي وقاص ، فظهر بها حمل ، وقد قتل عتبة كافرا ، وعهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة ، أي أمته مني فخذه ، فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص ، وقال : إن أخي قد عهد إلي فيه . فقام إليه عبد بن زمعة فقال لسعد : هو أخي وابن وليدة أبي ؛ ولد على فراشه . فترافعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الولد للفراش .

            الثاني - لو كان العام الوارد بسبب خاص عاما ، لما كان لنقل السبب فائدة ، لأن ذكر السبب مع العام لأجل أن تخصيص العام [ ص: 160 ] والتالي باطل ; لأنه لو لم يكن لذكره فائدة لم ينقل ; لأن ذكره حينئذ يكون لغوا .

            أجاب بأن فائدته منع تخصيص السبب عنه بالاجتهاد ; لأنه حينئذ يصير السبب بمنزلة المنصوص ، والمنصوص لا يجوز تخصيصه بالاجتهاد .

            وبأن فائدته معرفة الأسباب مع الشيء .

            الثالث - لو قال قائل : والله ما تغديت في جواب من قال له : تغد عندي ، لم يكن عاما ، لأنه إن تغدى عند غيره لم يحنث .

            أجاب بأن خصوصه في هذه الصورة لأجل عرف خاص ; إذ قوله : ما تغديت ، يدل عرفا على أنه ما تغدى عنده ، فلا يوجب الخصوص في غيرها .

            الرابع - لو عم العام الوارد على سبب خاص ، لم يكن الجواب مطابقا للسؤال ; لأن السؤال هو الخاص ، والجواب هو العام . والمطابقة بين السؤال والجواب شرط .

            أجاب بأنه إن أراد بالمطابقة أن لا يكون الجواب شاملا لغير السؤال ، فلا نسلم وجوب المطابقة بين السؤال والجواب بهذا المعنى .

            [ ص: 161 ] وإن أراد بالمطابقة بيان معنى السؤال وحكمه ، فقد حصل المطابقة بهذا المعنى ، والزيادة لا تنفي البيان .

            الخامس - لو عم العام الوارد على سبب خاص ، لكان العموم مستلزما للحكم بأحد المجازات بالتحكم .

            والتالي بالباطل .

            بيان الملازمة : أنا نجزم حينئذ أن صورة السبب مرادة من العام الوارد عليها . وصورة السبب أحد مجازات العام ; لأن كل بعض منه مجاز ، فيلزم الحكم بأحد المجازات بالتحكم ; لأن نسبة العموم إلى جميع الصور المندرجة تحته متساوية . فالجزم بأحدها دون غيره تحكم .

            أجاب بأنه إن أردتم إرادة صورة السبب عدمها بالنظر إلى العام دون أمر خارجي فمسلم .

            لكن لا نسلم أن ما نحن فيه كذلك ; لأن كون العام نصا في البعض خارجي بقرينة ، وهي ورود الخطاب بيانا لذلك البعض . وإن أردتم بعدمها العدم مطلقا فهو ممنوع .




            الخدمات العلمية