الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : المساواة مطلقا أعم من المساواة بوجه خاص ، والأعم لا يشعر بالأخص .

            وأجيب بأن ذلك في الإثبات ، وإلا لم يعم نفي ، قالوا : لو عم لم يصدق ; إذ لا بد من مساواة ، ولو في [ ص: 171 ] نفي ما سواهما عنهما . قلنا : إنما ينفي مساواة يصح انتفاؤها .

            قالوا : المساواة في الإثبات للعموم ، وإلا لم يستقم إخبار بمساواة ، لعدم الاختصاص .

            ونقيض الكلي الموجب جزئي سالب .

            قلنا : المساواة في الإثبات للخصوص ، وإلا لم يصدق أبدا ; إذ ما من شيئين إلا وبينهما نفي مساواة ، ولو في تعينهما . ونقيض الجزئي الموجب كلي سالب .

            والتحقيق أن العموم من النفي .

            التالي السابق


            ش - احتج الحنفية بثلاثة وجوه :

            الأول - أن المساواة مطلقا أعم من المساواة بوجه خاص ، وهو المساواة من جميع الوجوه ; لأن المساواة كما تكون من جميع الوجوه ، قد تكون من بعض الوجوه ، والأعم لا يشعر بالأخص ; إذ لا دلالة للعام على الخاص أصلا .

            [ ص: 172 ] أجاب بأن العام إنما لا يشعر بالخاص في جانب الإثبات . وأما في جانب النفي يشعر به ، فإن نفي العام يستلزم نفي الخاص ; لأنه لو لم يكن نفي العام مستلزما لنفي الخاص لم يكن نفي العموم أصلا ; لأنه حينئذ يجوز أن لا ينتفي الخصوص على تقدير انتفاء العام ، فلا يتحقق نفي العموم .

            الثاني - لو عم نفي المساواة في مثل " لا يستوي أصحاب النار " لم يصدق مثل " لا يستوي أصحاب النار " .

            والتالي باطل بالاتفاق .

            بيان الملازمة : أن صدقه حينئذ يتوقف على تحقق نفي المساواة من جميع الوجوه . ونفي المساواة من جميع الوجوه إنما يتحقق إذا لم يكن بينهما مساواة أصلا ، وهو غير متصور ; إذ ما من شيئين إلا ويكون بينهما مساواة بوجه ما ، وأقلها المساواة بينهما في نفي ما سواهما عنهما .

            أجاب عنه بمنع الملازمة ؛ فإن المدعي نفى مساواة يصح انتفاؤها ، لا المساواة من جميع الوجوه .

            واللفظ وإن كان مقتضيا للعموم لكنه قد خص .

            الثالث - أن المساواة بين الشيئين في جانب الإثبات للعموم ، [ ص: 173 ] كقولنا : زيد وعمرو متساويان ، فإنه يقتضي تساويهما من جميع الوجوه ؛ لأنه لو لم يقتض تساويهما في جميع الأمور لم يستقم الإخبار بمساواتهما ، إذ لا وجه لاختصاصهما حينئذ بوصف المساواة ; إذ ما من شيئين إلا ويكون بينهما مساواة في بعض الصفات .

            لكنه يستقيم الإخبار بالمساواة بين الشيئين بالإجماع ، فيكون للعموم . فيكون نفي المساواة بين الشيئين لا يعم ; لأن نفي الإيجاب الكلي سلب جزئي .

            أجاب عن الثالث بالمعارضة .

            فإن المساواة بين الشيئين في جانب الإثبات للخصوص ؛ لأنه لو لم يكن للخصوص لم يصدق مساواة بين الشيئين أصلا ، إذا ما من شيئين إلا ويصدق بينهما نفي المساواة في شيء من الصفات . وأقله أن يصدق نفي المساواة بينهما في تعينهما ؛ لأن كل واحد منهما لا يكون مساويا للآخر في تعينه ، فلا يصدق ثبوت المساواة بينهما من جميع الوجوه .

            وإذا كانت المساواة في جانب الإثبات للخصوص تكون المساواة في جانب النفي للعموم ؛ لأن نقيض الجزئي الموجب السالب الكلي .

            ثم قال المصنف - بعد دفع مذهب الخصم بالمعارضة - : والتحقيق أن العموم مستفاد من النفي ، لا من كونه نقيض قضية جزئية .

            [ ص: 174 ]



            الخدمات العلمية