الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : المعروف تغليب الذكور .

            قلنا : صحيح إذا قصد الجميع ، ويكون مجازا .

            [ ص: 215 ] فإن قيل : الأصل الحقيقة .

            قلنا : يلزم الاشتراك .

            وقد تقدم مثله .

            قالوا : لو لم يدخلن لما شاركن المذكرين في الأحكام .

            قلنا : بدليل من خارج .

            ولذلك لم يدخلن في الجهاد والجمعة وغيرهما .

            قالوا : لو أوصى لرجال ونساء بشيء ، ثم قال : وأوصيت لهم بكذا - دخل النساء بغير قرينة ، وهو معنى الحقيقة . قلنا : بل بقرينة الإيصاء الأول .

            التالي السابق


            ش - احتج - الحنابلة بثلاثة وجوه :

            الأول : أن المعروف من عادة أهل اللغة تغليب الذكور على الإناث إذا اجتمعا . ولهذا يقال للرجال والنساء : ادخلوا ، وقال تعالى لآدم وحواء وإبليس : " اهبطوا " وهذا يدل على أن صيغة المذكر تتناول الإناث .

            [ ص: 216 ] أجاب بأن تغليب المذكر على المؤنث صحيح إذا قصد الجميع ، أي إذا قصد المذكر والمؤنث جميعا ، وأريد أن يعبر عنهما بعبارة واحدة من العبارتين ، كان التعبير بالجمع المذكر متعينا . ويكون حينئذ مجازا .

            ولا يلزم منه المدعى ; لأنه إذا لم يعلم أنه قصد الجميع ، لم يلزم منه تناوله الإناث .

            فإن قيل : إذا سلمتم تناول جمع الذكور للإناث - كان تناوله إياهن بطريق الحقيقة ; لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة . وإذا كان حقيقة جاز الاستعمال فيهما مطلقا .

            أجيب بأنه لو كان حقيقة في المذكر والمؤنث يلزم الاشتراك ; لأنه حقيقة في خصوص المذكر .

            وإذا دار اللفظ بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولى لما تقدم .

            قيل على هذا الجواب : لا نسلم لزوم الاشتراك ، وإنما يلزم ذلك لو لم يكن للقدر المشترك بين المذكر والمؤنث ، وهو معنى الجمع .

            أجيب بأن هذا التقدير لا يدفع الاشتراك ; لأن أهل اللغة [ ص: 217 ] اتفقوا على أنه وضع للجمع المذكر بخصوص ، فيكون حقيقة له .

            فلو كان حقيقة للقدر المشترك ، يلزم الاشتراك بين الكل والجزء .

            الثاني : لو لم يكن جمع المذكر متناولا للإناث لما شاركت النساء المذكرين في الأحكام ، لأن أكثر الأحكام بخطاب المذكرين .

            والتالي باطل بالاتفاق .

            أجاب بمنع الملازمة ، فإنه إنما يلزم ذلك لو لم يكن مشاركة النساء للرجال في الأحكام بدليل خارج ، وهو ممنوع .

            والذي يدل على أن المشاركة بدليل خارجي أن النساء لم يدخلن في الجهاد والجمعة مع أن الخطاب ورد بصيغة جمع المذكر .

            مثل قوله تعالى : وجاهدوا وقوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله .

            الثالث - أنه لو أوصى أحد لرجال ونساء بشيء ثم قال : [ ص: 218 ] وأوصيت لهم بكذا ، دخلت النساء في قوله لهم بغير قرينة موجبة لهم للدخول .

            فلو لم يكن جمع المذكر متناولا للنساء بطريق الحقيقة لما دخلت النساء في قوله " لهم " بغير قرينة .

            أجاب بأنا لا نسلم أن دخول النساء في قوله ( لهم ) بغير قرينة ، بل دخولهن فيه بالقرينة ; فإن الإيصاء الأول وجريان ذكر الرجال والنساء قرينة مشعرة بالدخول .




            الخدمات العلمية