الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 88 ] النهي عن الشيء لعينه .

            ص - ( مسألة ) النهي عن الشيء لعينه يدل على الفساد شرعا ، لا لغة .

            ( وقيل : لغة ) .

            وثالثها في الإجزاء لا السببية .

            لنا : أن فساده سلب أحكامه وليس في اللفظ ما يدل عليه لغة قطعا .

            وأما كونه يدل شرعا فلأن العلماء لم تزل تستدل على الفساد بالنهي في الربويات والأنكحة وغيرها وأيضا : لو لم يفسد لزم من نفيه حكمة للنهي ، ومن ثبوته حكمة للصحة ، واللازم باطل ; لأنها في التساوي .

            ومرجوحية النهي يمتنع النهي لخلوه عن الحكمة ، وفي رجحان النهي تمتنع الصحة لذلك .

            [ ص: 89 ]

            التالي السابق


            [ ص: 89 ] ش - النهي عن الشيء لا يخلو من أن يكون لعينه ، أو لما يقارنه ، كالنهي عن البيع وقت النداء .

            فإن كان لما يقارنه لا يدل على فساد المنهي عنه عند الجمهور ، خلافا للحنابلة .

            وإن كان النهي عن الشيء لعينه - فقد اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب :

            الأول : أنه يدل على الفساد مطلقا .

            وقد افترق القائلون به فرقتين :

            فذهب طائفة إلى أنه يدل على الفساد شرعا لا لغة ، سواء كان في العبادات أو في المعاملات .

            وأخرى إلى ( أنه ) لا يدل على الفساد في العبادات والمعاملات لغة .

            وثانيها : أنه لا يدل على الفساد مطلقا .

            وقد افترق القائلون به فرقتين :

            فذهبت طائفة إلى أنه لا يدل على الصحة .

            وأخرى إلى أنه يدل على الصحة .

            وثالثها : أنه يدل على الفساد شرعا في الإجزاء ؛ أي في [ ص: 90 ] العبادات ، ولا يدل على الفساد في السببية ؛ أي في المعاملات . واختار المصنف ما ذهبت إليه الفرقة الأولى من القائلين بالمذهب الأول .

            واحتج بالخبر السلبي منه ، وهو أنه لا يدل على الفساد فيهما لغة بأن فساد المنهي عنه - سواء كان عبادة أو معاملة - عبارة عن سلب أحكامه .

            فلو دل النهي عن الشيء على فساده لغة لكان في اللفظ ما يدل لغة على سلب أحكام المنهي عنه . لكن ليس في اللفظ ما يدل لغة على سلب أحكام المنهي عنه ; لأن معنى النهي في اللغة اقتضاء الامتناع عن الفعل ، وسلب الأحكام لا يكون عينه ولا جزءا ولا لازما له من حيث اللغة ; لأنه لو قال واحد : لا تبع غلامك فإنك لو بعت ثبت حكم البيع ، وهو ثبوت الملك للمشتري - لم يكن مخطئا لغة .

            ( فلو كان سلب الحكم لازما لمعنى النهي لغة لكان مخطئا لغة ) واحتج على الخبر الثبوتي من مذهبه ، وهو أنه يدل على الفساد فيهما شرعا بوجهين :

            الأول : أن العلماء من المتقدمين والمتأخرين لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي في الربويات وفي الأنكحة وفي غيرها من [ ص: 91 ] العبادات ، ولم ينكر عليهم . فيكون ذلك إجماعا منهم على أنه يدل على الفساد .

            الثاني : أنه لو لم يدل النهي على الفساد شرعا لزم أن يكون لنفي المنهي عنه حكمة يستدعي النهي ، ولثبوت النهي عنه أيضا حكمة يستدعي صحة المنهي .

            واللازم باطل ; لأن حكمة الصحة وحكمة النهي إن تساوتا امتنع النهي لخلوه عن الحكمة ، وإن ترجح حكمة الصحة امتنع النهي أيضا لذلك ، وإن ترجح حكمة النهي امتنع الصحة لخلوه من حكمة الصحة .




            الخدمات العلمية