الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : لو كان للزم من " لا علم إلا بحياة " ، " ولا صلاة إلا بطهور " ، ثبوت العلم والصلاة بمجردهما .

            قلنا : ليس مخرجا من العلم والصلاة ; فإن اختار تقدير ( لا صلاة ) إلا صلاة بطهور ، اطرد . وإن اختار لا صلاة تثبت بوجه إلا بذلك ، فلا يلزم من الشرط المشروط .

            وإنما الإشكال في المنفي الأعم في مثله ، وفي مثل ما زيد إلا قائم ; إذ لا يستقيم نفي جميع الصفات المعتبرة .

            وأجيب بأمرين :

            الأول - أن الفرض المبالغة بذلك .

            الثاني - أنه أكدها .

            [ ص: 294 ] والقول بأنه منقطع بعيد ; لأنه مفرغ ، وكل مفرغ متصل ; لأنه من تمامه .

            التالي السابق


            ش - احتجت الحنفية بأنه لو كان الاستثناء من النفي إثباتا لزم من قولنا : لا علم إلا بحياة ، ولا صلاة إلا بطهور ، ثبوت العلم والصلاة بمجردهما ؛ أي بمجرد الحياة والطهور ; لأنه استثناء من النفي .

            والتالي باطل ، فإن العلم لا يتحقق بالحياة ; لأن الحياة حاصلة للحيوانات بدون العلم .

            وكذا الصلاة لا تتحقق بالطهور وحده ، لجواز انتفاء شرط آخر .

            أجاب بأن هذا الاستثناء إن أجري على ظاهره من غير تقدير شيء لا يكون استثناء من الجنس ؛ لأن المستثنى مخرج من المستثنى منه في الاستثناء من الجنس ، والحياة والطهور ليسا بمخرجين من العلم والصلاة ، فحينئذ لا يكون محل النزاع ؛ لأن النزاع وقع في الاستثناء من الجنس .

            وإن لم يجر على ظاهره بل قدر أمر آخر ، وحينئذ إما أن يقدر على أنه لا علم إلا علم بحياة ; ولا صلاة إلا صلاة بطهور ، أو يقدر على أنه لا علم يثبت بوجه إلا بحياة ، ولا صلاة تصح إلا بطهور .

            فإن اختار التقدير الأول لم يتوجه النقض ; لأنه حينئذ يطرد [ ص: 295 ] القول بأن الاستثناء من النفي إثبات .

            وإن اختار التقدير الثاني يكون معناه أن العلم مشروط بالحياة ، والصلاة مشروطة بالطهارة ، ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط .

            وفيه نظر ; فإنه على التقدير الأول لا يلزم الاطراد لعدم ثبوت الصلاة عند وجود الطهارة ، وعدم ثبوت العلم عند وجود الحياة ; لجواز انتفاء شرط آخر .

            وعلى التقدير الثاني يكون الجواب مقررا لما استدل به الخصم ; فإن الدليل الذي استدل به الخصم لم يقتض إلا عدم ثبوت المستثنى في هذه الصورة .

            ثم قال المصنف بعد الجواب عن إشكال الحنفية : إنما الإشكال في المنفي الأعم في مثل لا صلاة إلا بطهور ، وفي مثل ما زيد إلا قائم ; لأنه إذا كان المراد المنفي الأعم ، أعني الذي ينفي جميع الصفات المعتبرة - يكون التقدير في المثال الأول : لا صفة للصلاة من الصفات المعتبرة في وجودها من استقبال القبلة وستر العورة وغيرها ، إلا صفة الطهارة .

            وفي الثاني : لا صفة لزيد من الصفات المعتبرة في كونه زيدا إلا القيام .

            [ ص: 296 ] وحينئذ يتوجه الإشكال ; لأنه حينئذ يكون معنى الأول نفي جميع الصفات المعتبرة للصلاة وإثبات الطهورية من بينها .

            ومعنى الثاني نفي جميع الصفات المعتبرة في زيدية زيد ، وإثبات القيام من بينها ، ولا يستقيم نفي جميع الصفات المعتبرة .

            أجاب بأمرين :

            أحدهما - أن المراد بتعميم النفي ها هنا : المبالغة في تحقق تلك الصفة للموصوف ، فكأن قائلا قال : لا يعتبر صفة الطهورية للصلاة فقيل : لا صلاة إلا بطهور ، أي الصفة المعتبرة للصلاة هي الطهورية فيكون الغرض من نفي جميع الصفات المبالغة في إثبات تلك الصفة ، لا نفي الكل على الحقيقة .

            والثاني - أن المراد أن هذا الوصف آكد الأوصاف .

            فإن قيل : الإشكال الذي أورده المصنف إنما يتأتى على تقدير كون الاستثناء متصلا ، وهو ممنوع ، فإنه يجوز أن يكون منقطعا .

            أجيب بأن هذا الاستثناء مفرغ ، والاستثناء المفرغ متصل ; لأن الاستثناء المفرغ من تمام الكلام المتقدم ، ولاشيء من المنقطع من تمام الكلام المتقدم ; إذ لا تعلق للمنقطع بالكلام المتقدم .




            الخدمات العلمية